في إطار برنامج تأهيل المدينة القديمة بالدار البيضاء، شهدت المنطقة تدشين عدة مرافق حيوية من قبل جلالة الملك محمد السادس، كان من بينها بناية بارزة تطل على المارينا وبالقرب من فضاء السقالة سنة 2011 .
هذه البناية الذي اختير لها اسم فضاء الاجيال لتستفيد منها كل الفئات العمرية بالمنطقة ، حيث جاءت كجزء من مخطط إعادة التأهيل، كانت تهدف إلى توفير فضاء متعدد الأنشطة لسكان المدينة القديمة، حيث ضمت فضاءات لأنشطة رياضية وتربوية، بالإضافة إلى فضاءات للتكوينات في الحرف التقليدية مثل الطبخ والخياطة.
كما تميزت بوجود خلية تابعة للتكوين المهني دورها المواكبة للادماج السوسيو اقتصادي لشباب المدينة القديمة ، و تسهر على تأهيلهم ومتابعة مسارهم المهني، و قاعة للمعلوميات ، و اخرى للاجتماعات،
و قاعة خاصة بالترويض الطبي، فضلا عن قاعة للأفراح كانت مخصصة لتقدم خدماتها لفائدة الفئات الهشة بالمدينة القديمة و بأسعار رمزية ، و كذلك يتوفر المبنى على فضاء بانورامي عبارة عن مقهى في سطح المبنى يطل على الميناء .
في البداية، أسند تدبير هذا المرفق لممثلين عن المصالح الخارجية في العمالة و المكونة من التعاون الوطني، و الشبيبة والرياضة، و وزارة الثقافة، ومسؤول عن العمالة. ورغم أن الولوج إلى المرفق كان يتم آنداك بنوع من السهولة و اليسر، بمجرد مراسلة عمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا، إلا أن طريقة التسيير كانت توصف شيئاما بالبدائية والتقليدية، ما جعل الفاعلين المحليين يطالبون بتحمل فعاليات المجتمع المدني مسؤولية إدارته.
لكن هذه الوعود لم تنفذ، وبمجرد انتهاء الزيارة الملكية لتشييده لهذا المرفق ، تمت إحالة تدبير المرفق إلى العمالة، التي قامت بدورها تفويته لمجلس العمالة، وهو جهاز إداري لا يمتلك خبرة في إدارة مثل هذه المرافق، رغم أن تمويله جاء من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. منذ ذلك الحين، ظل المرفق مغلقا في وجه المرتفقين، مما حرم سكان المدينة القديمة من خدماته الأساسية.
و مؤخرا، تم الإعلان عن طلب عروض لتفويت تدبير المرفق لإحدى الجمعيات القادرة و المؤهلة . و بالتالي تنافست في هذا الإطار جمعيتان:
الأولى تعتبر جمعية عريقة لها فرع محلي بالمنطقة ، وتتمتع بخبرة طويلة في تدبير المرافق التربوية على الصعيد الوطني، ولها حضور قوي في المنطقة.
أما الثانية، فهي جمعية قادمة من مدينة أخرى، تستفيد الان من تدبير منصة الشباب بعمالة مقاطعات أنفا، وتلقى دعما من أحد المنتخبين البارزين بمجلس العمالة الذي سرعان ما تخلى عنها بمجرد اقدامه لجمعية أخرى ثقافية و فنية كطرف إضافي في المنافسة، رغم انتهاء مدة المحددة لوضع الملفات ، دون اللجوء الى جلسات الدفاع عن المشاريع من قبل كل الجمعيات ، و الاقتصار فقط على التعيين محاولة منه لإضفاء طابع الشرعية على هذه العملية .
هذا المنتخب السياسي الداعم لهذه الجمعية الثانية و المدافع عليها بشراسة داخل المكتب المسير ، مدعيا ان هذه الجمعية من اختيار مسؤول رفيع المستوى بعمالة انفا ، و بالتالي ،و بفعله هذا يدفع بإقصاء الجمعيات المحلية التي تنشط في المنطقة منذ سنوات بشكل تطوعي ونضالي.
ما يحدث لهذا المرفق يعيد إلى الأذهان ما جرى لمقر “دار الصانع” بالقرب من ساحة أحمد البيضاوي، والذي كان مخصصا لحرفيي الصناعة التقليدية بالمدينة القديمة، قبل أن يفاجأ الجميع بتفويته لجمعية من خارج المنطقة. هذه الأخيرة التي حولته إلى مقهى كناوي يولج اليه بشراء تذاكر لحضور العروض، مما أفرغ المشروع من هدفه الأصلي، وهو دعم الحرفيين المحليين.
يبقى السؤال المطروح: إلى أي حد يمكن تهميش أبناء المنطقة في تدبير مرافق أنشئت خصيصا لهم، واستقدام فاعلين لا علاقة لهم بالسياق المحلي؟
إن مشروع تأهيل المدينة القديمة هو برنامج ملكي يستهدف تحسين ظروف عيش سكانها، وكان من المفترض أن يساهم في تمكين المجتمع المدني المحلي من إدارة هذه المرافق لضمان استدامتها وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
إلا أن غياب الكفاءة والشفافية في تدبير هذه المشاريع أدى إلى إغلاق بعضها أو استغلالها في غير الغايات المحددة لها، رغم أن الملك محمد السادس زار المنطقة ثماني مرات لتدشين العديد من هذه المرافق المهمة.
هذه العناية الملكية بالمدينة القديمة وسكانها ينبغي أن تقابل بحوكمة جيدة، وليس بإقصاء الفاعلين المحليين لصالح جهات أخرى تحركها المصالح الخاصة.
إن الحفاظ على روح هذه المشاريع وتحقيق أهدافها يتطلب تدبيرا شفافا وعادلا ، يضع مصلحة سكان المدينة القديمة في صلب الأولويات، بعيدا عن الحسابات السياسية والزبونية التي تفرغ المبادرات التنموية من مضمونها الحقيقي.
تعليقات
0