حفل طنجة.. صدمة ثقافية تفضح أزمة المنظومة الفنية والتربوية

أنوار بريس السبت 5 أبريل 2025 - 17:23 l عدد الزيارات : 212055

بقلم: محمد امين سملالي

استفاق المغاربة بعد يوم عيد الفطر على وقع صدمة ثقافية، بعدما انتشرت على نطاق واسع مقاطع مصورة لحفل غنائي احتضنته مدينة طنجة، وجذب أعدادًا من الأطفال والمراهقين.

الحفل، الذي تخللته كلمات وعبارات نابية ومبتذلة، لم يكن مجرد حدث فني عابر، بل تحوّل إلى مرآة عاكسة لأزمة أعمق تضرب في صميم الذوق الفني والقيم المجتمعية.

الصدمة لم تكن فقط في المحتوى المقدم، بل في السياق الزمني والمكاني، حيث تزامن الحفل مع مناسبة دينية عزيزة، ما جعل من الانحدار اللغوي والسلوكي المعروض مشهدًا مستفزًا للوعي الجمعي، خصوصًا في ظل حضور فئة عمرية يفترض أن تحاط بالحماية والتوجيه لا أن تُزجّ في أجواء ممسوخة.

من الفن الهادف إلى الابتذال العلني

مدينة طنجة، التي لطالما ارتبط اسمها بالإبداع الفني والثقافي، وجدت نفسها فجأة في قلب عاصفة من الجدل المجتمعي. كيف لمدينة احتضنت رموزًا أدبية عالمية مثل بول بولز ومحمد شكري وغيرهم في كل مجالات الفن والإبداع، وشهدت ازدهارًا في فنون المديح والسماع والطرب الأندلسي، أن تتحول إلى منصة لخطاب غنائي سوقي يُروّج في الفضاء العمومي ويُستقبل بالتصفيق؟

ما جرى يعبّر عن انقطاع صادم عن المسار الثقافي الذي ميّز طنجة لعقود، ويطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة التحولات التي تشهدها منظومتنا الفنية والتربوية.

من المسؤول؟ سؤال يتجاوز المغني

في خضم الجدل، تمت متابعة احد المغنين بالحفل في خطوة استباقية بدت وكأنها محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، لكن الاقتصار على المقاربة الأمنية يختزل أزمة معقدة في شخص واحد.
فهل المغني وحده مسؤول عن هذا الانحدار؟

أم أن الأمر يتعلق بمنظومة متكاملة تسمح وتُغذّي وتكافئ هذا النوع من المحتوى؟

البيئة الحاضنة لمثل هذه الظواهر تشمل الجمهور الذي يستهلك ويروّج، والأسر التي تغيب عن المشهد التربوي، والسلطات التي تمنح التراخيص دون مساءلة عن المحتوى، ووسائل الإعلام التي تدفع نحو الربح السريع على حساب الذوق والقيم.

حلول شكلية ومقاربات قاصرة الاكتفاء بمتابعة أو توقيف فنان أو إلغاء حفل لن يحل الأزمة.

فالمحتوى المنحط ينتشر يوميًا عبر المنصات الرقمية دون حسيب أو رقيب، والردود الغاضبة على مواقع التواصل تكشف بدورها عن مستوى خطير من العنف اللفظي والتطبيع مع الإساءة.

تكرار الظواهر رغم العقوبات السابقة يؤكد أن القانون وحده لا يكفي، وأن التغيير الحقيقي لا بد أن ينطلق من تجديد الخطاب الثقافي، وتعزيز التربية الفنية، ودعم الإبداع الراقي، بدل الاكتفاء بالزجر والعقاب بعد وقوع الكارثة.

ما المطلوب إذاً؟
نحو ميثاق وطني للفن

الرد على هذا الانحدار لا يمكن أن يكون لحظيًا أو انفعاليًا، بل يجب أن يتجسد في مشروع وطني يضع الفن والثقافة في صلب السياسات العمومية.

من الضروري إدماج التربية الفنية في المناهج، ودعم الفنانين الجادين، ومساءلة المنصات الترويجية، وتحفيز العائلات على استعادة أدوارها التربوية.

كما أن الحاجة باتت ملحة إلى بلورة ميثاق وطني للفن، يشارك فيه الفنانون والمثقفون والمجتمع المدني، من أجل إعادة تعريف العلاقة بين الإبداع والقيم، بين الحرية والمسؤولية، وبين الذوق والجودة.

في الختام

حادثة طنجة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما لم تتغير النظرة إلى الثقافة باعتبارها مجرد ترفيه. نحن في حاجة إلى وقفة جماعية، تتجاوز الغضب الظرفي، نحو مشروع ثقافي يُعيد للفن اعتباره، ويربطه بالتربية والجودة والهوية.

لأننا إن لم نُصلح البيئة التي تنتج هذا “الفن”، فسنظل ندور في دوامة من الصدمات والمسكنات التي لا تعالج شيئا.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 18 أبريل 2025 - 11:10

بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها الجمعة 18 أبريل 2025 على وقع الارتفاع

الجمعة 18 أبريل 2025 - 10:58

الحوامض المغربية تدخل السوق الياباني

الجمعة 18 أبريل 2025 - 10:35

بين فشل الحكومة وعجز السياسات: نمو هشّ يتعثر رغم الوعود.. وتضخم يهدّد القدرة الشرائية

الجمعة 18 أبريل 2025 - 10:14

تخريب وتكسير سيارات الغير يقود شابا إلى ردهات السجن

error: