بعد انتظار دام لعقود، تعود قضية معاش الشيخوخة لتطفو مجددًا على السطح، محمّلة بآمال مؤجلة وآلام متجذرة في ذاكرة أجيال من المتقاعدين الذين قضوا سنوات من أعمارهم في سوق الشغل، دون أن يُنصفوا عند نهاية المسار. فقد تم الإعلان عن دخول مرسوم جديد حيز التنفيذ ابتداء من فاتح ماي 2025، يقر بأحقية شريحة طالما اعتُبرت خارج حسابات التقاعد، في معاش طال انتظاره، بأثر رجعي يمتد إلى فاتح يناير 2023.

المعنيون بهذا الإجراء هم الذين راكموا بين 1.320 و3.240 يوماً من الانخراط في منظومة الضمان الاجتماعي، دون أن يبلغوا العتبة القديمة التي كانت تشترط 3.240 يوماً كاملة للاستفادة من معاش الشيخوخة. هؤلاء كانوا حتى الأمس القريب يقفون في المنطقة الرمادية، يؤدون مساهماتهم الشهرية طيلة سنوات، ثم يُحالون على التقاعد دون أن يكون لهم نصيب من المعاش، وكأن الاقتطاعات التي خُصمت من رواتبهم ذهبت في مهب الريح، وهو ما شكل لعقود مصدر غضب وصمت موجع لفئة كبيرة من الأجراء السابقين.

المرسوم الجديد يعيد الاعتبار جزئيا لهؤلاء، إذ يقر بمنحهم معاشا شهريا يتراوح ما بين 600 و1.000 درهم، حسب عدد الأيام المصرح بها. كما يشمل هذا المعاش، تلقائيا، الاستفادة من التغطية الصحية الإجبارية، ما يُعد مكسبا من حيث المبدأ، لكنه يطرح في الآن ذاته أسئلة جوهرية حول القيمة الفعلية لهذا «الاعتراف المتأخر»، في ظل واقع اقتصادي اتسم خلال السنوات الأخيرة بارتفاع صاروخي لتكاليف المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية، واتساع رقعة الفقر والهشاشة، خصوصا في أوساط المتقاعدين.

ففي سوق استهلاكي تشهد أسعاره زيادات متتالية في المواد الأساسية، وتسجل نسب التضخم فيه مستويات غير مسبوقة، تبدو 600 درهم كحد أدنى لمعاش التقاعد أقرب إلى الإعانة الرمزية منها إلى المعاش الفعلي. إنها بالكاد تغطي بعض نفقات الدواء، فضلا عن الكراء، وفواتير الماء والكهرباء، والغذاء اليومي، ناهيك عن أي هامش للكرامة أو الاستقلالية المعيشية. وهذا ما يعيد فتح النقاش القديم حول فلسفة التقاعد ذاتها، وعما إذا كانت مجرد نهاية للعلاقة مع العمل، أم بداية لمسؤولية الدولة والمجتمع في حفظ كرامة المواطن وهو يطوي صفحة الإنتاج.

أما الذين لم يبلغوا عتبة 1.320 يوما، فقد فتح لهم المرسوم باب استرجاع ما اقتُطع من مساهماتهم ومساهمات مشغّليهم، سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم لفائدة ذويهم. وهو إجراء أقرب إلى جبر الضرر منه إلى الحل، لكنه يظل أقل من تطلعات فئة ظلت خارج منطق الإنصاف طيلة عقود، لا لذنب ارتكبته، بل فقط لأنها عملت في ظروف لم تؤمن لها استمرارية الانخراط والتصريح.

وفي سياق متصل، تم الإعلان عن مراجعة طريقة احتساب أيام التأمين لفائدة البحارة العاملين بنظام «العمل بالحصة»، وهي فئة لطالما وُضعت على هامش أنظمة الحماية، بحجة طبيعة نشاطها الموسمي والمتقلب. المرسوم الجديد يقر بمبدأ احتساب مداخيل السفن وتوزيعها بشكل يمكن من تحديد مساهمات البحارة وضمان تغطيتهم الصحية والاجتماعية طوال العام. خطوة تبدو تقنية في ظاهرها، لكنها تختزن بين سطورها سنوات من التهميش والمعاناة التي كان ضحيتها آلاف العاملين في قطاع يشكل عصبًا اقتصاديًا مهمًا، دون أن يعترف بهم كنشيطين دائمين.
ما تحقق اليوم، وإن كان متأخرا، يلامس بعض الإنصاف لفئات ظلت على الهامش، لكنه يطرح أيضًا أسئلة جوهرية حول مصير أموال ضخمة تم اقتطاعها طيلة سنوات من أجور العاملين دون أن تُترجم إلى معاشات تحترم الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، باعتباره الجهة المفوضة بتدبير هذه الاقتطاعات، مطالب اليوم قبل أي وقت مضى، ليس فقط بإصلاح اختلالات الماضي، بل كذلك بإعادة بناء جسور الثقة مع من ظلوا يؤدون مساهماتهم دون أن يجنوا مقابلها سوى التجاهل أو الإقصاء.