أثار بيان الخارجية الأمريكية الأخير، الصادر عقب لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالسيناتور الجمهوري البارز ماركو روبيو، موجة غضب في الأوساط الرسمية الجزائرية، بعد أن جددت واشنطن تأكيدها الصريح على الاعتراف بمغربية الصحراء، معتبرة مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط إطارا جديا وواقعيا وذا مصداقية لحل النزاع الإقليمي.
هذا الموقف الأمريكي، الذي وصفه متابعون بالقوي والحاسم، أكد بما لا يدع مجالا للشك أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في دجنبر 2020 بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية لا رجعة فيه، مما شكل صفعة دبلوماسية موجعة للجزائر، التي ما فتئت تراهن على تغير الموقف الأمريكي، أولا مع وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ثم مع عودة الجمهوريين إليه.
ورغم كل محاولات الضغط والمناورة، بما في ذلك ما اعتبرته بعض المصادر “عرضاً جزائريا سخيا” من قبل السفير الجزائري بواشنطن صبري بوقادوم، فإن رد الإدارة الأمريكية جاء ليقضي على تلك الرهانات، ويغلق الباب أمام أي أمل في تراجع واشنطن عن اعترافها التاريخي بمغربية الصحراء.
الجزائر، التي لم تخف استياءها، أصدرت بيانا لوزارة خارجيتها أعربت فيه عن “أسفها” لتأكيد واشنطن على دعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، واعتبرت أن ذلك “انحراف عن القانون الدولي” و”مخالف لقرارات مجلس الأمن”.
لكن مراقبين يرون في هذا “الأسف الجزائري” دليل على ارتباك عميق داخل النظام الجزائري، الذي وجد نفسه معزولا دبلوماسيا، في ظل توسع رقعة الدول الداعمة للحل المغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، القوة الأولى في العالم وعضو دائم في مجلس الأمن.
التحول الحاصل في موقف واشنطن، لم يأت فقط بتأكيد الاعتراف، بل جاء في سياق متقدم من التنسيق الاستراتيجي بين الرباط وواشنطن، يعكسه تسارع اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، ودعم أمريكي متزايد لمبادرات المغرب في القارة الإفريقية والساحل.
في المقابل، تستمر الجزائر في التشبث بخطاب تقليدي متجاوز، يستحضر مسرحية “حق تقرير المصير” في صيغة فقدت بريقها أمام الوقائع الميدانية والديناميكيات الجديدة التي تشهدها المنطقة، وفي ظل تفكك جبهة البوليساريو داخليا وخارجيا.
ويبدو أن ما أزعج الجزائر فعلا، هو أن الموقف الأمريكي جاء هذه المرة في توقيت حساس، يشير إلى أن الملف خرج من دائرة التجاذب السياسي الأمريكي، وأصبح جزءا من الثوابت في السياسة الخارجية لواشنطن اتجاه المغرب وشمال إفريقيا.
تعليقات
0