الدعم العمومي لاستيراد المواشي تحت المجهر ..
محمد امين سملالي
في مشهد يعكس ارتباك الأغلبية الحكومية وتناقضاتها الداخلية، تفجر الجدل مجددا حول الدعم المخصص لاستيراد المواشي، ليكشف عن فجوة خطيرة في الخطاب الرسمي، وغياب رؤية موحدة لمواجهة أزمة اجتماعية متجذرة مرتبطة بارتفاع أسعار اللحوم.
اعترافات رسمية وفجوة الخطاب..
انطلق الجدل مع تصريح وزير الميزانية، الذي اعترف صراحة بفشل أدوات الحكومة في ضبط الأسعار رغم استيراد اللحوم، واصفا ذلك بـالفشل التقني في مقاربة الأزمة، خاصة قبيل مناسبات رمضان وعيد الأضحى.
لم يكن هذا الاعتراف معزولا، بل تلاه تصريح صادم للأمين العام لحزب الاستقلال، كشف فيه عن دعم حكومي ضخم بلغ 13 مليار درهم، داعيا المستفيدين إلى “تقوى الله في المغاربة”، مما أثار تساؤلات عن مصير هذه الأموال ومدى استفادة المواطن منها.
لكن المفارقة بلغت ذروتها عندما سارع رئيس مجلس النواب والعضو القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، إلى تقزيم أرقام زعيم حزب الاستقلال الحليف الحكومي، محاولا حصر الدعم في “الأغنام الموجهة للعيد” فقط، متجاهلا تصريحات حليفه، و هو ما يعكس تناقضا صارخا داخل بيت الأغلبية و كشف عن ازدواجية الخطاب الذي يمارسه حزب الاستقلال من خلال تبني خطاب إصلاحي للاستهلاك الإعلامي رغم انه يظل شريكا في مختلف القرارات الحكومية.
المعارضة تحرج الأغلبية: بين لجنة تقصي الحقائق والمهمة الاستطلاعية.
وسط هذا التضارب، تقدمت فرق المعارضة بالبرلمان بمبادرة دستورية لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، مستندة في ذلك إلى الفصل 67 من الدستور الذي يمنح البرلمان صلاحيات رقابية قوية.
لكن هذه المبادرة ووجهت بتحدي و تغول من طرف
فرق الأغلبية المهيمنة بدعوتها الى القيام بمهمة استطلاعية، وهي آلية أضعف بكثير، لا تلزم الحكومة بتقديم وثائق أو تحمل مسؤوليات، في خطوة فسرت كمحاولة لإفراغ التحقيق من مضمونه وحماية المستفيدين من الدعم .
الفرق بين الآليتين جوهري كيف ذلك؟
• لجنة تقصي الحقائق تتمتع بصلاحيات دستورية لإجبار الحكومة على الكشف عن الوثائق، وقد تؤدي إلى مساءلة سياسية أو قضائية.
• المهمة الاستطلاعية تكتفي بجمع المعلومات دون إلزام، ما يجعلها أداة شكلية في قضية تشتبك فيها مصالح نافذة .
الهيمنة والتغول: أين يقف المواطن؟
تحول الجدل إلى صراع سياسي مكشوف، حيث تستخدم الآليات الرقابية للمؤسسات لإخفاء الحقائق بدلا من كشفها.
ففرق المعارضة البرلمانية، ترى أن القضية تعكس خللا هيكليا في إدارة المال العام، و تشدد على ضرورة محاسبة الفاسدين ورفع السرية عن أسماء المستفيدين.
أما المواطن، الذي أنهكه الغلاء، فيتساءل:
• من يصدق بين أرقام بركة (13 مليار درهم) وتصريحات العلمي (300 مليون درهم)، حيث تظهر فجوة رقمية تعكس غياب الشفافية.
القضية لم تعد مجرد فشل تقني، بل تحولت إلى اختبارٍ لمصداقية المؤسسات. فالأغلبية الحكومية، عبر التضارب والالتفاف على المطالب الشعبية، تكرس هيمنة سياسية تعيق محاسبة الفاسدين. بينما تبقى أسئلة المواطن البسيط معلقة في انتظار تحرك جريء من مؤسسات الرقابة، أو أن يقول الرأي العام كلمته… ذات استحقاق.
فهل ستنتهي المعركة بانتصار
الحقيقة، أم ستدفن مرة أخرى تحت رمال الهيمنة السياسية؟
سءل ارسطو: من يصنع الطغاة؟
فرد قائلا: ضعف المظلومين!