في خطوة جديدة تُكرّس موقعها الريادي في سباق التكنولوجيات المتقدمة، أعلنت الصين إدراج مادة الذكاء الاصطناعي بشكل إلزامي في المناهج الدراسية، انطلاقًا من الموسم الدراسي المقبل، لتشمل التعليم الابتدائي والثانوي. هذه ليست مجرد مادة إضافية، بل جزء من رؤية استراتيجية لإعداد أجيال قادرة على قيادة اقتصاد المعرفة، والتحكم في أدوات الثورة الصناعية الرابعة.
في المقابل، لا يزال النقاش في المغرب يدور حول صيغ الإصلاح و”تجويد” المدرسة العمومية، بينما يتسع الفارق الزمني والمعرفي بيننا وبين الدول الصاعدة.
تُعلن المبادرات وتتوالى المخططات، من الميثاق الوطني إلى المخطط الاستعجالي، ثم الرؤية الاستراتيجية، وصولًا إلى “مدارس الريادة” و”المدرسة العمومية الجديدة”—لكن من دون أثر ملموس على جودة التعليم أو جاهزية المتعلمين لعصر الذكاء الاصطناعي.
الصين لا تنتظر المستقبل، بل تُنجزه. الأطفال هناك يتعلمون البرمجة، ويطورون الروبوتات، ويُربّون منذ الصغر على مهارات التفكير النقدي والابتكار. أما المدرسة المغربية، رغم بعض التجارب الجادة والمعزولة، فلا تزال أسيرة مناهج تقليدية، وأقسام مكتظة، وبنيات مهترئة، ومعلمين مرهقين ومحبطين، يشتغلون في ظروف غير محفزة، ويتعرضون لحملات تشويه بدل الاعتراف بمركزيتهم في كل إصلاح.
بينما تراهن الصين على أطفالها لصناعة التكنولوجيا، نُراهن نحن على الشعارات. نُعلن مشاريع دون ضمانات للنجاح، ونُكرّر أخطاء الماضي دون مساءلة، ونسوّق لخططنا كإنجازات رغم أن الواقع يُكذبها يوميًا. في كثير من المدارس، لا وجود لحواسيب، ولا شبكة إنترنت، بل أحيانًا لا وجود حتى لطاولة وكرسي صالحين، فكيف نتحدث عن تعليم الذكاء الاصطناعي؟
المعضلة أعمق من الموارد، إنها معضلة رؤية. لا يكفي إدماج مصطلحات براقة في الخطاب الرسمي، بل نحتاج إلى إرادة حقيقية لتحويل المدرسة إلى فضاء للتعلم المتجدد، وربط التعليم بالاقتصاد الوطني، وتكوين المعلمين تكوينًا مستمرًا ومتينًا، وتحفيز المتعلمين على الإبداع بدل التلقين.
الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية معرفية، بل أصبح ضرورة وطنية. والتأخر في إدماجه في المنظومة التربوية لن يكون مجرد تأخر تقني، بل عجز استراتيجي ستكون كلفته باهظة على الأجيال المقبلة. فإما أن ندخل العصر الرقمي بعقلية جديدة، أو نستمر في إنتاج الفشل بطرق أكثر تنظيمًا.
تعليقات
0