غيب الموت البابا فرنسيس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، حيث أسلم الروح صباح يوم الاثنين في مقر إقامته بالفاتيكان، تاركًا وراءه فراغًا روحيًا كبيرًا في العالم المسيحي وخارجه. جاءت وفاته بعد يوم واحد من ظهوره الأخير أمام آلاف المؤمنين في ساحة القديس بطرس خلال احتفالات عيد الفصح، حيث بدا متعبًا لكنه حافظ على ابتسامته المعهودة التي طالما أشاعت الأمل بين أتباعه.
لم تكن صحة البابا، الذي قاد الكنيسة منذ انتخابه عام 2013، في أفضل حالاتها خلال الأشهر الأخيرة، حيث عانى من مضاعفات التهاب رئوي حاد تطلب نقله إلى المستشفى لفترة طويلة، كما واجه سلسلة من المشاكل الصحية المتعلقة بالركبة والورك، إضافة إلى تدهور في وظائف الجهاز التنفسي. ورغم ذلك، ظل حتى أيامه الأخيرة متمسكًا برسالته الداعية إلى السلام والتضامن الإنساني، رافضًا التخلي عن مسؤولياته رغم نصائح الأطباء.
وفي تعبير عن حجم الخسارة التي مست العالم بأسره، بعث الملك محمد السادس برقية تعزية إلى عميد مجمع الكرادلة، أعرب فيها عن بالغ أسفه وحزنه لرحيل البابا فرنسيس، الذي وصفه بأنه “شخصية دينية فذة كرست حياتها لخدمة القيم الإنسانية السامية”. وتوقف الملك في رسالته عند المحطات البارزة في مسيرة الراحل، خاصة زيارته التاريخية للمغرب عام 2019 وما تلاها من توقيع “إعلان القدس” الذي شكل نقطة تحول في تعزيز الحوار بين الأديان. كما أشاد بدور البابا في الدفاع عن قيم التسامح والعدالة الاجتماعية ومساندته لقضايا المهاجرين والفقراء، معتبرًا أن وفاته تمثل خسارة للبشرية جمعاء.
من جهته، أعلن الفاتيكان بدء التحضيرات لمراسم الجنازة، حيث سيتم عرض جثمان البابا في بازيليك القديس بطرس ليودعه المؤمنون قبل دفنه وفق طقوس خاصة طلبها بنفسه، مخالفًا التقاليد المتبعة منذ قرون. فقد أوصى بأن يدفن في كنيسة سانتا ماريا ماجوري بدلًا من السرداب البابوي، كما أمر باستخدام تابوت بسيط من الخشب والزنك، في خطوة تنسجم مع فلسفته القائمة على التواضع والبساطة.
ولم تكن حبرية البابا فرنسيس، التي امتدت لأكثر من عقد، خالية من التحديات والجدل، حيث واجه معارضة داخل الكنيسة بسبب إصلاحاته الجريئة التي طالت هياكل الحكم في الفاتيكان، كما تعرض لانتقادات من التيار المحافظ بسبب مواقفه المنفتحة تجاه قضايا مثل تبريك المثليين وتقييد القداس اللاتيني. لكن ذلك لم يمنع العالم من الاعتراف بدوره المحوري في تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، خاصة عبر مبادراته نحو العالم الإسلامي والدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين.
على المستوى الدولي، توالت ردود الفعل على وفاة البابا، حيث نعاه زعماء العالم واحدًا تلو الآخر. فوصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه “رجل سلام ونموذج للإنسانية”، بينما أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”حكمته والتزامه بقيم العدالة”. من جهتها، ذكرت الرئاسة الفلسطينية بدوره في الدفاع عن القضية الفلسطينية ورفعه العلم الفلسطيني في الفاتيكان تضامنًا مع شعبها.
ترك البابا فرنسيس إرثًا إنسانيًا لا يمحى، حيث حول الكنيسة الكاثوليكية إلى منصة عالمية للدفاع عن المهمشين والفقراء، كما أعاد تعريف دور البابوية في العصر الحديث عبر نزع الهالة القدسية عنها والاقتراب من عامة الناس. ورغم رحيله، تبقى رسالته الداعية إلى الأخوة الإنسانية والتضامن العالمي خير شاهد على رجل آمن بأن الإيمان ليس مجرد طقوس، بل التزام أخلاقي تجاه البشرية جمعاء.
تعليقات
0