مافيا العقار بالدار البيضاء: عراقيل إدارية تفقر السكان وتغني المنعشين العقاريين

جواد رسام السبت 26 أبريل 2025 - 10:35 l عدد الزيارات : 27302

رغم الجهود الملكية الحثيثة الرامية إلى تطوير النسيج العمراني وتحقيق نزع من العدالة المجالية والاجتماعية، ما تزال مدينة الدار البيضاء ترزح تحت وطأة مافيا عقارية متغلغلة في مفاصل الإدارة الترابية، حيث تتقاطع المصالح الشخصية مع مواقع المسؤولية، ويستغل النفوذ السياسي في تعميق الفجوة بين القانون والواقع.

ففي قلب هذه الإشكالية، يقف مواطنون بسطاء يواجهون عراقيل إدارية ممنهجة، تجهض حلمهم في التوفر على سكن لائق أو الحفاظ على ممتلكاتهم ، ويتجلى ذلك في رفض مقصود أو متكرر لمنح رخص الهدم أو الإصلاح، خاصة بالنسبة للمباني المصنفة او الآيلة للسقوط ، بدعوى عدم توفر الشروط التقنية أو التنظيمية، رغم أن الغرض من طلب الترخيص في الأصل هو تهيئة بناية تستجيب لتلك المعايير.

فمن بين أحد أبرز أوجه التلاعب، يتمثل في فرض خبرات تقنية غالبا ما تنجز بطريقة سطحية، تعتمد على الملاحظة فقط دون معاينة ميدانية معمقة أو فحص تقني معملي. وفي المقابل، ترفض خبرات مضادة موثقة ينجزها مهندسون محلفون، تثبت عكس ما جاءت به تلك التقارير الرسمية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصداقية هذه الإجراءات ونزاهتها.

و الأكثر إثارة للريبة هو أن عددا من رؤساء الجماعات و المقاطعات و بعض نوابهم في مدينة الدار البيضاء يشتغلون في قطاع العقار، سواء بشكل مباشر كمنعشين أو عبر واجهات شركات مقربة، مما يمنحهم معرفة دقيقة بمستقبل تصاميم التهيئة للمدينة، وبالتالي يمكنهم استباق القرار الإداري للاستحواذ على بقع استراتيجية، إما بالشراء أو عبر صفقات التفويت المشبوهة، بل وحتى بنزع الملكية.

وهنا تتحول البنايات الآيلة للسقوط إلى وسيلة ضغط ضد الملاك الأصليين، حيث يتم إدخالها عمدا ضمن لائحة الدور الآيلة للانهيار، ما يمنع أصحابها من إعادة تأهيلها، ويدفعهم في نهاية المطاف إلى بيعها بأثمان بخسة، ليعاد تصنيفها فجأة كصالحة للإصلاح أو البناء بمجرد انتقال ملكيتها.
و أكبر مثال على هذا النموذج الفوضوي نجد المدينة القديمة للدار البيضاء ومناطق مركزية أخرى تشهد يوميا ممارسات تعكس هذا الفساد المركب، حيث تعرقل مشاريع الإصلاح، أو يتم انتزاع الملكية من السكان بدعوى إعادة الهيكلة، لكن المستفيد الأول هم المنعشون العقاريون الذين يعيدون بناء هذه المناطق وفق منطق السوق لا وفق منطق الإنصاف.

فحتى في المشاريع التي تتعلق بـدور الصفيح، فإن المستفيد غالبا ما يكون السكان الظاهرون، بينما يهمش المالكون الأصليون الذين لا يتم تعويضهم أو تمكينهم من التراخيص الضرورية لإصلاح ممتلكاتهم، ما يبقيهم في دوامة من المعاناة والتهميش.
و بناءا على كل ما تم ذكره ،و امورا اخرى كثيرة سوف نتطرق اليها في مقالات تفصيلية مستقبلية ، تبقى هذه الممارسات تفرغ جهود الدولة من محتواها، وتكرس الريع العقاري، وتعطل التنمية الحضرية التي ينادي بها جلالة الملك.

فمن هذا المنبر، نوجه نداء صريحا إلى السلطات الرقابية والقضائية والإدارية من أجل فتح تحقيقات عاجلة حول هذه التجاوزات، وتمكين المواطنين من حقوقهم في السكن الكريم، ووقف النزيف العقاري الذي تنهشه لوبيات المصالح الخاصة.

فلا تنمية بدون عدالة، ولا عدالة دون مؤسسات نزيهة تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 26 أبريل 2025 - 15:44

” دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية ” ..منجز هيئة الإنصاف و المصالحة تحت المجهر…

السبت 26 أبريل 2025 - 15:44

الكاتب الصحافي جمال المحافظ يدعو إلى فتح أفق جديد في الاعلام 

السبت 26 أبريل 2025 - 14:45

أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا

السبت 26 أبريل 2025 - 14:25

اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة تكرم بالرباط عددا من نساء ورجال الإعلام

error: