أكد العديد من المشاركين خلال اليوم الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلسي البرلمان، أن تعديل قانون المسطرة الجنائية، يكتسي أهمية خاصة لاعتبارات كثيرة أهمها راجع إلى مضمون المسطرة الجنائية نفسها كقانون يلعب دورا مزدوجا فهو من جهة أداة الدولة لإيقاع العقاب على المجرم، ومن جهة أخرى، وسيلة هذا المجرم للدفاع عن نفسه من خلال آليات وضوابط ومبادئ ضامنة لمحاكمة عادلة لذلك، فإن وضع أو تعديل قانون المسطرة الجنائية عملية معقدة في كل المجتمعات تعقيد الظاهرة الإجرامية نفسها.
وفي هذا السياق، أكد المحامي محمد الصبار، على أن مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية، تتنافى مع المتن الدستوري بالمغرب، كون العديد من بنود هذا المشروع جاءت مخالفة للمواثيق الدولية والتزامات المغرب والدستور، وتحتاج إلى تجويد وتعديل قبل المصادقة عليها.
وشدد الصبار، في مداخلته خلال أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه الفريقان الاشتراكيان بالبرلمان بتنسيق مع قطاع المحامين الاتحاديين الجمعة بمجلس النواب، أن هذا المشروع يعتبر جزء من النظام العام، وبالتالي لا ينبغي الاستهثار بالقواعد القانونية الامرة ويجب العمل على التنزيل والتطبيق السليم للقانون بالوجه العام. مؤكدا على أن ابداء الرأي حول المسطرة الجنائية من اختصاصات المؤسسات الدستورية وتوصياتها ملزمة للحكومة.
كما تطرق المتدخل، إلى بعض المقتضيات التي جاء بها المشروع، وتتعلق بمرحلة الاعتقال واستجواب المتهم في مخافر الشرطة التي يطبعها مبدأ السرية، وبالتالي يحتمل أن تكون هذه الاماكن محط تجاوزات.
وشدد الصبار، على أن نسبة حالات العود المرتفعة، مؤشر على ضعف السياسة العقابية بالمغرق، بالاضافة إلى ارتفاع ساكنة المؤسسات السجنية وظاهرة الاكتظاظ.
كما دعا نقيب المحامين السابق عبد الرحيم الجامعي، البرلمان إلى القيام بأدواره خاصة في هذه المرحلة، وهو بصدد مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وأوضح الجامعي أن البرلمان ينتظر منه الكثير وأن يتبع أسلوبا غير المعهود، وهو يناقش مواضيع وقضايا ترتبط بالديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع ككل، مشيرا إلى أن المؤسسة التشريعية كانت تصنع التاريخ برجالاتها وليس النصوص القانونية فقط.
أكد المحامي والنقيب السابق عبد الرحيم الجامعي، أنه لا مناص من الرجوع لمشروع قانون المسطرة الجنائية ووضع اليد على بعض القضايا الأساسية التي لا يمكن للنص أن يخرج بدون أن تستقيم عدد من المطالب داخلها وتأخذ مكانتها، لنقول بعد ذلك إن المغرب سيشهد عدلة من نوع آخر عدلة تنتفي فيها التعليمات.
وشدد الجامعي، أن هذا المشروع أعطى الأولوية للنيابة العامة والضابطة القضائية والمحكمة، الشيء الذي يجعل من قرينة البراءة التي يجب أن يتمتع بها المواطن يحفها غموض ومخاطر وتحديات.
وسجل المتحدث، أن المشروع لا يحقق العدالة الجنائية بالشكل المطلوب وفق المقتضيات الحالية، ولا يعالج الأعطاب والإشكالات المطروحة، سواء فيما يتعلق بالضابطة القضائية أو النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
وأوضح الجامعي، أن هذا المشروع يأتي وسط العديد من المشاكل التي تواجه المجتمع، أبرزها ارتفاع معدلات الجريمة، وتوسيع دائرة الاعتقال الاحتياطي، علاوة على اكتظاظ السجون، وأن الوضع الحالي في السجون خطير جدا ويتطلب تدخلا عاجلا.
واشار الجامعي إلى أن مدة الاعتقال التي جاء بها المشروع واسعة ومعنى ذلك أن الحرية موضوع كبير داخل المسطرة، لذا يجب إعادة النظر فيها.
وخلص إلى أنه يجب أن يعطي المشروع أهمية لقرينة البراءة والمكانة لحقوق الدفاع والاستماع للمعني بالأمر.
وبدورها تطرقت الاستاذة الجامعية، سعاد بنور إلى مضامين ومقتضيات المشروع والاشكالات التي يطرحها على مستوى التنزيل في حال تمت المصادقة عليه بهذه الصيغة.
وشددت على أنه يجب إعادة النظر في العديد من المعطيات، والاخذ بعين الاعتبار المتغيرات الحاصلة والثورة التيكنولوجية والرقمية الحاصلة اليوم، والتعاطي معها بقدر من المسؤولية، مشيرة أن هناك تطور كبير في الجرائم الشيء الذي يفرض بيئة قانونية تراعي هذه التطورات.
وباعتبار المسطرة الجنائية من أهم آليات وعناصر السياسة الجنائية، فإن تعديلها لا شك يستحضر ما راكمته بلادنا من تجارب واجتهادات في ضوء التطبيق والتنفيذ المؤسساتي للقانون الحالي طيلة عقود من الزمن، اعتمدت فيها نصوص المسطرة الجنائية الحالية. فكانت وسيلة لمواجهة الجريمة، لكن من جهة أخرى، وفي ضوء التطبيق المذكور تعيش العدالة الجنائية صعوبات في موضوع نقاش للباحثين والفاعلين في حقل العدالة، ولعل أهمها، ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع، ارتفاع نسبة العود، اكتظاظ المؤسسات السجنية. وغيرها من معضلات العدالة الجنائية التي يفترض أن تكون من غايات المشروع الجديد التصدي لها.
وإذا كان هذا المشروع يعتبر مراجعة شاملة للمسطرة الجنائية الحالية باعتباره من ما يزيد عن 420 مادة تغيير وتتميم 286 مادة، إضافة 106 مادة، نسخ وتعويض 27 مادة نسخ 5 مواد، فإنه وضع عددا من الأهداف أهمها مراجعة الضوابط القانونية للوضع تحت الحراسة النظرية، ترشيد الاعتقال الاحتياطي، تعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية، ترشيد التحقيق الإعدادي، اعتماد الوسائل العلمية والتقنية في الإجراءات، إعادة النظر في بعض قواعد الاختصاص.
واعتمد عددا من المرجعيات منها دستور المملكة لسنة 2011، والخطب الملكية، وتوصيات هيئات الإنصاف والمصالحة بشأن المحاكمة العادلة ومكافحة الجريمة، وتوصيات المناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية التي انعقدت بمكناس سنة 2004 ، وتوصيات الميثاق الوطني الإصلاح منظومة العدالة. وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيرها من المرجعيات وإذا كان الأمر كذلك، وأن في ذلك ترصيدا لما تحقق على هذا المستوى، فإن تعزيز شروط المحاكمة العادلة يقتضي تعميق النقاش حول مضامين المشروع فيما يخص عددا من القضايا، وخاصة جودة الأحكام، وإحترام قرينة البراءة، ومنظومة الإثبات الجنائي، وضمان حقوق الدفاع. وغيرها من القضايا التي لا غنى عنها في أي قانون متعلق بالحقوق والحريات بقدر ما يسعى إلى ترصيد المكتسبات واعتماد ما أفرزته الممارسة، فإنه يمتح من المدارس والتيارات الفكرية الحديثة ذات الصلة بالعدالة الجنائية التي تبقى غايتها دائما مكافحة الجريمة، لكن عن طريق محاكمة عادلة.
و يأتي هذا اليوم الدراسي الذي ينظمه الفريق الاشتراكي بالبرلمان بتنسيق مع قطاع المحامين الاتحاديين لتعميق النقاش حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، واقتراح الأفكار والتعديلات التي ستسهم في إنتاج نص تشريعي متقدم وذي جودة عالية.
تعليقات
0