ملتقى مكناس.. من موعد دولي لمناقشة السياسات الفلاحية إلى حديقة حيوانات

عماد عادل الأحد 27 أبريل 2025 - 17:04 l عدد الزيارات : 13537

أصبح مجرد معرض لأضخم ثور وأكبر كبش وأغرب دجاجة

أسدل الستار، أمس الأحد، على فعاليات الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، وسط زخم جماهيري لم ينجح في التغطية على حقيقة التراجع الكبير الذي أصاب هذا الحدث منذ سنوات. ومن موقعي كصحفي واكب الملتقى منذ أولى دوراته سنة 2006، وعاين تحوله دورة بعد أخرى، أجد نفسي مدفوعًا اليوم إلى تسجيل شهادة لا بد منها: لقد فقد الملتقى معناه، وخبا بريقه، ولم يعد سوى صدى باهتًا لما كان عليه يوما.

كان الملتقى، في سنواته الأولى، حدثا حقيقيا ينتظره الفاعلون الفلاحيون بفارغ الصبر. كانت المناظرة الوطنية للفلاحة، المنعقدة على هامشه، منصة حقيقية للنقاش الصريح، والجدل الخلاق، ومساءلة الاختيارات الكبرى. كان وزراء الفلاحة، والخبراء، وصناع القرار، والمهنيون، و المؤسساتيون، يتقاسمون نفس الطاولة، يناقشون الإنجازات والإخفاقات، يراجعون السياسات، ويخططون للمستقبل.

لكن هذا النفس الديمقراطي انقطع فجأة سنة 2018، حين تقرر حذف المناظرة، لا لشيء إلا لحرمان الرأي العام من فرصة مساءلة “مخطط المغرب الأخضر”، الذي تولى الإشراف عليه وزير الفلاحة حينها، رئيس الحكومة الحالي. ففي وقت كان المغرب يفقد تدريجيا اكتفاءه الذاتي في سلاسل استراتيجية مثل اللحوم والحليب وزيت الزيتون، كان من الأجدى تقييم الحصيلة بشفافية، بدل الهروب إلى الصمت.

تحولت الفلاحة، التي كان يفترض أن تكون رافعة للسيادة الغذائية، إلى مجال مفتوح لتجارة الكبار، يلجه أصحاب الرساميل الكبرى، ممن لا يهمهم سوى تحقيق الربح السريع عبر التصدير، ولو على حساب التوازنات البيئية. اختل منطق الاستثمار، فلم تعد السياسات الفلاحية موجهة نحو السوق الوطنية ولا صوب الفلاحين الصغار، بل تحولت الأراضي والمياه والموارد إلى أدوات لإنتاج سلع تصديرية تستهلك ملايين الأمتار المكعبة من المياه في شكل دلاح وأفوكادو وطماطم، يتم شحنها إلى الخارج بينما يعاني المغرب داخليا من موجات عطش وجفاف غير مسبوقة.

هذا التحول الجذري ضرب في العمق الفلسفة التي تأسس عليها الملتقى الدولي للفلاحة. فبدل أن يكون موعدا لعرض التقنيات الحديثة ومناقشة السياسات العمومية وإطلاق المبادرات الكبرى، صار مجرد معرض فرجوي لعرض أضخم ثور و أكبر كبش وأغرب دجاجة، وكأن القائمين عليه اختاروا عمدا اختزال الفلاحة إلى حديقة حيوانات موسمية.

تراجعت الفكرة، تراجع معها الطموح، وتقلص أفق النقاش، ولم يعد في مقدور الملتقى أن يؤدي الوظائف التي كانت تميزه عالميا. والنتيجة، أن حدثا كان يصنف ضمن الخمسة الأوائل دوليا من حيث الحجم وعدد العارضين والزوار، كما كان يؤكد المرحوم جواد الشامي في إحدى حواراته معنا، تحول إلى قوقعة جوفاء تستهلك أموال المؤسسات العمومية الداعمة دون أن ترفد الفلاحة الوطنية بقيمة مضافة حقيقية.

إن ما يحدث ليس صدفة ولا خطأ في التقدير، بل عبث إرادي ساهمت فيه الحكومة بشكل مباشر حين أفرغت هذا الموعد القطاعي الهام من مضمونه الجوهري، وحولته إلى مجرد حديقة حيوانات مفتوحة للزوار. فبينما كان الملتقى منصة لنقاش السياسات وتقييم المخططات، صار اليوم مناسبة للفرجة الموسمية، في انعكاس صارخ لانعدام الإرادة السياسية في بناء فلاحة وطنية ذات بعد استراتيجي ومستدام.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 27 أبريل 2025 - 23:55

جامعة بني ملال تستعد لاحتضان ندوة دولية حول قضايا الإعلام في ظل التحديات الراهنة والتطورات الرقمية

الأحد 27 أبريل 2025 - 23:28

الحسيمة تشهد محطة نضالية تنظيمية لتجديد العمل النقابي وتعزيز كرامة المعلمين

الأحد 27 أبريل 2025 - 23:01

إغلاق ميناء الحسيمة مؤقتًا بسبب الرياح القوية

الأحد 27 أبريل 2025 - 22:29

منظمة النساء الاتحاديات بجهة طنجة تطوان الحسيمة، تعقد المجلس الجهوي الموسع

error: