تحليل قانوني لقضية إصدار قرار الهدم في حق عمارة آل المانوزي

جواد رسام الإثنين 28 أبريل 2025 - 11:44 l عدد الزيارات : 16044

لقد عرف قرار هدم عمارة” آل المانوزي” ، الواقعة ضمن مشروع المحج الملكي، موجة واسعة من التفاعل والاحتجاج بمختلف الأوساط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي،و على العائلة المتضررة .
فمنذ الإعلان عن القرار، عجت منصات التواصل بالتعليقات، والمقالات، والبلاغات الرافضة لهذا الإجراء، حيث عبر عدد كبير من المواطنين، والحقوقيين،و العائلة المتضررة، والمهتمين بالشأن العمراني عن استنكارهم للطريقة التي تم بها تدبير الملف، والتي اعتبروها مسيئة للحق في الملكية ومخالفة لقواعد العدل والإنصاف.

وقد أجمعت أغلب التفاعلات على أن قرار الهدم جاء متسرعا، وغير مبني على أسس قانونية صلبة، خاصة في ظل غياب معطيات رسمية موثوقة تبين وجود خطر حقيقي يهدد السلامة العامة، مما دفع بالرأي العام إلى التشكيك في خلفيات القرار ، وفي مدى احترامه للحقوق الدستورية للملاك، وعلى رأسها الحق في التملك، والحق في الدفاع، والحق في الحصول على المعلومة.

إن هذا الزخم الإعلامي والاجتماعي الكبير حول قضية عمارة” آل المانوزي” يعكس بوضوح أهمية احترام المشروعية القانونية والإجرائية، وضرورة تحكيم مبدأ  والعدالة الإدارية كلما تعلق الأمر بحقوق الأفراد في مواجهة السلطة.

فقضية إصدار قرار الهدم من قبل رئيسة مقاطعة سيدي بليوط بشأن عمارة “آل المانوزي”، الواقعة ضمن نطاق المحج الملكي، تثير عدة إشكاليات قانونية تتعلق بالأساس بمدى احترام قواعد القانون الإداري، وحماية الحقوق الدستورية للملكية الخاصة، والحق في الدفاع، والحق في المعلومة.

أولا: الإطار القانوني المنظم للملكية الخاصة ونزعها

* ينص الفصل 35 من دستور 2011 على أن:

” يضمن القانون حق الملكية.
لا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون .”

* كما ينظم ظهير 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، كيفية نزع الملكيات الخاصة، حيث ينص في مادته الأولى على أن نزع الملكية لا يتم إلا بناء على تصريح بالمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل ومنصف.

ثانيا: هل القرار صدر في الإطار القانوني الصحيح؟

حسب الوقائع، يبدو أن العمارة تدخل ضمن مشروع “المحج الملكي”، وهو مشروع استراتيجي ذو طابع عام، وبالتالي إذا كان هناك مساس بالملكيات الخاصة، وجب سلوك مسطرة نزع الملكية وفقا للظهير الشريف لسنة 1982.

إلا أن رئيسة المقاطعة اختارت تبرير قرار الهدم بكون البناية آيلة للسقوط، وهو خلط بين مسطرتين قانونيتين مختلفتين تماما:

مسطرة الهدم بسبب “البنايات الآيلة للسقوط”، المؤطرة بالقانون رقم 94.12 المتعلق بمحاربة البنايات الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري.

مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة، المؤطرة بظهير 6 ماي 1982.

ثالثا: أثر الخلط بين المسطرتين على حقوق الملاك

بالاستناد إلى القانون 94.12، يتطلب اعتبار البناية آيلة للسقوط خبرة تقنية مستقلة تثبت أن البناية تشكل خطرا داهما على السلامة العامة.

في غياب هذه الخبرة، يعتبر قرار الهدم مشوبا بعيب ، والشطط في استعمال السلطة، مما يفتح الباب أمام الطعن فيه أمام القضاء الإداري.

رابعا: المساطر الممكنة للطعن والدفاع عن الحقوق

بناء على القرار الصادر، يمكن للمالكة المعنية أن تتقدم إلى المحكمة الإدارية بدعوى استعجالية لوقف تنفيذ القرار، وفقا للفصل 24 من قانون المحاكم الإدارية (القانون 41.90).

بالتوازي، يمكن رفع دعوى في الموضوع لإلغاء القرار الإداري المشوب بالتجاوز.

كما يحق للمعنية بالأمر، في حال ثبوت أن الهدم تم خارج إطار نزع الملكية، المطالبة بتعويض شامل عن:

* فقدان العقار.

* الأضرار المالية المباشرة.

* الأضرار النفسية.

* فقدان فرص الاستثمار والانتفاع.

خامسا: أهمية الحق في الحصول على الوثائق والمعلومة

يؤكد الفصل 27 من الدستور على الحق في الحصول على المعلومات التي تملكها الإدارة، مما يفرض على رئيسة المقاطعة تمكين المالكة من كل الوثائق:

* القرار الإداري.

* تقرير الخبرة التقنية.

* الوثائق التي تثبت إعلان المنفعة العامة إذا وجدت.

و بناءا على ما سلفنا ذكره، فالبناية كان يجب التعامل معها عبر مسطرة نزع الملكية وليس مسطرة الآيلة للسقوط.

و ان القرار الصادر قابل للطعن القضائي لكونه مشوبا بعيب في التكييف القانوني, وربما بعيب الشطط في استعمال السلطة.

و ان التعويضات تختلف جذريا حسب الإطار القانوني المعتمد:

* في حالة الآيلة للسقوط: تعويض ضعيف أو منعدم.

* في حالة نزع الملكية: تعويض عادل ومسبق وفقا لتقييم العقار.

على العموم ، و ما يمكن الختم به في هذا التحليل القانوني البسيط  أن ما وقع لعائلة آل المانوزي، رغم شهرتها التاريخية ونضالاتها المشهودة في سبيل مغرب حر وديمقراطي، يثير سؤالا مؤلما عن مصير العديد من العائلات الأخرى التي قد تفقد مساكنها ، دون أن تجد سندا إعلاميا أو دعما مجتمعيا لتحصين حقوقها والدفاع عن ممتلكاتها.
فإذا كانت عائلة ذات رصيد نضالي ووطني كبير قد اضطرت إلى خوض معركة شاقة لحماية حقها المشروع، فكيف سيكون حال و مصير غالبية الأسر البسيطة، التي قد تعجز عن تحريك الرأي العام أو مواجهة القرارات الإدارية الجائرة؟
لهذا، فإن قضية آل المانوزي تتجاوز بعدها الفردي ، لتطرح بإلحاح ضرورة إرساء ضمانات حقيقية لاحترام الحقوق والحريات، وجعل مبدأ سيادة القانون فوق كل اعتبار.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 28 أبريل 2025 - 13:14

تظاهرة رياضية متميزة بالمديرية العامة للرياضات العسكرية

الإثنين 28 أبريل 2025 - 10:35

فيدرالية الشغل بتنغير تؤسس لمرحلة جديدة وتطالب بالعدالة المجالية…

الإثنين 28 أبريل 2025 - 10:25

مطالب بإدماج مقتضيات إجرائية تراعي “الطفل والنوع الاجتماعي” في قانون المسطرة الجنائية

الإثنين 28 أبريل 2025 - 09:55

المجلس الأعلى للحسابات يناقش “مسؤولية المحاسب العمومي أمام القاضي المالي”

error: