أحمد بيضي
اختتمت أشغال المؤتمر الوطني الثاني عشر للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمنعقد أيام 25-26-27 أبريل 2025، ببيان عام تم فيه “تثمين المؤتمر المكتسبات الحقوقية بالمغرب، والتي همت مجالات متعددة دستورية، تشريعية وسياسية“، مقابل “تسجيله ضعف فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، مما “يتطلب ضرورة وضع سياسات عمومية جديدة كفيلة بضمان وحماية حقوق الانسان عموما بما فيها هذه الحقوق”، على حد محتوى البيان العام الختامي.
ولم يفت بيان مؤتمر المنظمة “تسجيل بإيجابية العفو الملكي على مجموعة من الصحفيين والمدونين ومعتقلي الحركات الاجتماعية”، مع التماسه “أن يشمل العفو باقي معتقلي الحركات الاحتجاجية والاجتماعية”، مطالبا ب “فتح حوارات مع الساكنة لحل المشاكل الاجتماعية المحلية وفقا لمقاربة تشاركية“، وبينما أشاد ب “المبادرة المغربية للحكم الذاتي لما يضمنه من حقوق لفائدة ساكنة المنطقة”، أدان بيان المؤتمر “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف”، داعيا الأطراف الإقليمية إلى “تحمل مسؤوليتها في حماية المحتجزين بالمخيمات وضمان كافة حقوقهم كما هي مقررة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”.
وحرص البيان العام لمؤتمر المنظمة على “المطالبة بالتسريع في تفعيل جميع مؤسسات الحكامة المنصوص عليها في الباب 12 من الدستور“، فيما “سجل بإيجابية المنهجية المعتمدة في مناقشة مشروع مراجعة مدونة الأسرة”، وإذ ذكر بالمطالب التي تضمنتها مذكرة المنظمة التي رفعتها إلى الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الاسرة، شدد بيان المؤتمر على “ضرورة إصدار مدونة للأسرة مواكبة لتطور المجتمع، وتضمن حقوق كل مكونات الأسرة كما هي مكرسة في الدستور والالتزامات الدولية للمملكة“، مع التأكيد على ضرورة “احترام حرية المواطنات والمواطنين في الرأي والتعبير عبر مختلف الوسائط في إطار القانون، واحترام الحق في التجمع والتظاهر السلميين“.
وفي ذات السياق، سجل المؤتمر، من خلال بيانه، “التفاعل الإيجابي للمملكة مع عدد من الآليات الأممية الدولية المعنية بحقوق الإنسان”، كما طالب ب “مزيد من الانفتاح مع مجموع الآليات بما فيهم المقررين الخواص“، وب “انضمام المغرب إلى باقي الآليات الدولية لحقوق الانسان“، وب “المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية“.
وبينما لم يفت بيان المؤتمر الترحيب ب “التصويت الإيجابي للمغرب على القرار الأممي المتعلق بإيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام“، طالب ب “تقييم الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء واعتبارها مدخلا لمراجعة شاملة لقوانين الهجرة واللجوء“، وكذلك ب “النهوض بوضعية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والمسنين“، و”التسريع بوضع سياسة عمومية مندمجة ودامجة للشباب اعتمادا على مقاربة قائمة على فعلية حقوق الشباب“.
وعلى المستوى الإقليمي، طالب المؤتمر، في بيانه الختامي، ب “تعزيز دعامات الديمقراطية وضمانات حقوق الانسان بإفريقيا، وترسيخ بناء دولة الحق والقانون”، و”حل النزاعات الإقليمية بطرق سلمية، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية“، علاوة على مطالبته الحكومة ب “الانفتاح على مختلف الآليات الحقوقية الإفريقية“.
ومن خلال بيانه، أعرب بيان مؤتمر المنظمة عن قلقه حيال “التراجعات التي شهدها الوضع الحقوقي في عدد من الدول المغاربية”، فيما شدد على مطالبته ب “عدم استهداف المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان تحت ذريعة أسباب سياسية“، مقابل “تعزيز دولة المؤسسات وحماية الحقوق والحريات والتداول السلمي على السلطة“، بينما طالب الدول المغاربية ب “احترام حقوق المهاجرين في وضعية غير نظامية وطالبي اللجوء طبقا لمقررات القانون الدولي لحقوق الإنسان“.
أما على المستوى الدولي، فقد سجل مؤتمر المنظمة “التحولات الدولية التي يعرفها عالمنا اليوم، حيث بدأت تظهر وقائع وممارسات في الساحة الدولية تمس قيم العدالة والحق في الحياة والمساواة وتستند إلى منطق القوة بدل منطق القانون، مما يعتم واجهة الدفاع عن حقوق الإنسان“.
ووعيا من المنظمة بتداعيات وتحديات السياق الدولي الراهن فلم يفتها التأكيد على ضرورة “إصلاح منظومة الأمم المتحدة وتأهيل مؤسساتها بما يمكنها من إحلال السلم والأمن الدوليين، وحماية الحقوق والحريات الأساسية“، والعمل على “تعزيز النهوض بحقوق الإنسان وتفعيل أهداف التنمية المستدامة خصوصا في ظل التحولات الدولية الراهنة وما يشهده العالم من تغيرات مناخية“، مع “ضرورة العمل على مواجهة تنامي خطاب التشكيك في منظومة وقيم ومؤسسات حقوق الإنسان، وتنامي الخطابات الشعبوية“.
وبخصوص الأوضاع المؤلمة بالأراضي الفلسطينية، لم يفت بيان مؤتمر المنظمة المطالبة ب “وضع حد للانتهاكات الحقوقية الجسيمة والممنهجة ولجرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون بفلسطين المحتلة“، مع دعوته المجتمع الدولي “لتحمل مسؤوليته الكاملة في حماية المدنيين العزل ووقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني“، فيما أكد على “كون إحلال السلام في المنطقة رهين بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 67“.
ويذكر أن “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، قد عقدت مؤتمرها الوطني الثاني عشر بالمعهد الوطني لكتابة الضبط والمهن القانونية والقضائية تحت شعار: “أي فعلية لحقوق الإنسان في ظل التحولات الدولية الراهنة؟”، والذي التمهيد لأشغاله بتنظيم ندوة موضوعاتية في رحاب قاعة علال الفاسي، بعنوان: “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في السياسات العمومية وسؤال الفعلية“، هدفها “طرح وضعية هذه الحقوق انطلاقًا من السياسات العمومية المنتهجة من طرف الحكومة، وقد شارك في تأطير هذه الندوة مجموعة من الأساتذة الجامعيين والخبراء والفاعلين الحقوقيين الوطنيين والدوليين”.
وقد طُرحت مداخلات الندوة “عدة أسئلة وإشكالات مرتبطة بمدى فعالية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، والتأكيد على “ضرورة التزام الحكومة بحماية هذه الحقوق وضمان فعاليتها، وفقا للاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان والدستور المغربي”، لتخلص الندوة إلى “بلورة توصيات حول حماية هذه الحقوق وضماناتها في السياسات العمومية، مع ملاحظات حول دور الفاعلين الحقوقيين في هذا المجال”، قبل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي سجلت حضورا وازنا لممثلين عن المؤسسات الوطنية والبعثات الدبلوماسية، وقطاعات حكومية، وجمعيات حقوقية ومدنية صديقة، إضافة إلى ممثلة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالمغرب، وقيادات سياسية ونقابية.
وفي سياق التضامن مع القضية الفلسطينية، ألقى سفير دولة فلسطين بالمغرب، السيد جمال الشوبكي، كلمة استعرض فيها “الوضعية بالأراضي الفلسطينية المحتلة وآثار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مذكرا ب “ضرورة تحمل المنتظم الدولي مسؤوليته لحماية المدنيين”، كما أُلقيت كلمات من قبل منظمات حقوقية دولية صديقة، وفي إطار ثقافة الاعتراف، تم خلال الجلسة الافتتاحية تكريم عدد من الشخصيات الحقوقية: ذ. عبد العزيز بناني، الفقيد خالد الناصري، الفقيد أحمد شوقي بنيوب، ذة. عايدة حشاد، ذة. فاطنة سرحان وذة. مليكة غزالي.
وقد انطلقت أشغال المؤتمر بانتخاب اللجان التنظيمية (لجنة الرئاسة، لجنة فرز العضوية، لجنة الافتحاص المالي ولجنة البيان العام)، ليتلو ذلك عرض ومناقشة التقريرين الأدبي والمالي من طرف المكتب التنفيذي، والمصادقة عليهما بالإجماع، كما تم التصويت بالإجماع على التعديلات المقترحة على القانون الأساسي للمنظمة، فيما أقرت لجنة الافتحاص المالي مطابقة النفقات للموارد المالية، ليختتم المؤتمر بالمصادقة على لائحة المجلس الوطني، المقدمة من طرف وكيل اللائحة ذ. نوفل البعمري، بعد تأكيد لجنة فرز العضوية مطابقتها للنظام الداخلي، حيث حظيت بالتصويت بالأغلبية، وقد استند إعدادها إلى مؤشرات تضمن الاستمرارية، التجديد، تمثيلية الشباب والكفاءة.
مؤتمر المنظمة الذي دخل دورته 12 بشعار: “أي فعلية لحقوق الإنسان في ظل التحولات الدولية الراهنة؟”، واختتمها بانتخابه ذ. نوفل البعمري رئيسا خلفا للأستاذ حسن الإدريسي، أكد باعتزاز ما مميز أشغاله من نقاشات حقوقية معمقة تمحورت حول شعاره وتناولت الوضع الحقوقي وطنيا، إقليميا ودوليا، قبل تسجيله توصيات ختامية، باعتبار المؤتمر لحظة تنظيمية مفصلية، حيث أوصى أجهزة المنظمة المنبثقة عنه ب “وضع استراتيجية عمل طيلة الولاية الانتدابية لأجهزة المنظمة، وضع برامج منسجمة لتفعيل استراتيجية العمل مع تجويد آليات التنفيذ، والتعبئة من أجل ضمان انخراط جميع مكونات المنظمة في تفعيل استراتيجيتها“، وفق ما حمله البيان العام الختامي.
تعليقات
0