في مشهد يعكس الترابط الإقليمي والتضامن الطاقي العابر للضفتين، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن امتنانه للمغرب وفرنسا، بعدما ساهما في دعم بلاده بالكهرباء عقب الانقطاع الواسع الذي شل شبه الجزيرة الإيبيرية منتصف نهار الإثنين. وفي الوقت الذي ما تزال فيه أسباب العطب غير واضحة، فإن سرعة استجابة شركاء إسبانيا تعكس عمق الترابط الاستراتيجي في زمن الأزمات.
شركة (آر إي إي) الإسبانية المشغلة لشبكة الكهرباء، أكدت صباح الثلاثاء أن التيار عاد إلى 87.37% من أراضي البر الرئيسي بحلول الرابعة صباحًا، بعد ساعات من انقطاع بدأ في الساعة 12:33 ظهر الإثنين. ورغم غياب تفاصيل دقيقة حول السبب، إلا أن الحكومة الإسبانية لا تستبعد أي فرضية، وسط تكهنات تشير إلى خلل محتمل في منظومة الشبكة الأوروبية المشتركة ENTSO-E.
هذا الحادث يسلط الضوء مجددًا على أهمية الشبكات الإقليمية وتكاملها، ويعكس مكانة المغرب المتنامية كفاعل موثوق في أمن الطاقة الإقليمي. فقد مكّن الربط الكهربائي بين المغرب وإسبانيا، الذي يتضمن خطوطًا بحرية بقدرة عالية، من تفعيل آلية الدعم المتبادل بسرعة قياسية، وهو ما ساهم في امتصاص وقع الانقطاع وضمان الاستقرار في شبكة توزيع الطاقة الإسبانية.
وفي خلفية هذا الحدث الطارئ، تبرز الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة (ENTSO-E) كنموذج تكاملي لا مثيل له في العالم. هذه الشبكة، التي تأسست رسميًا عام 2009، تضم أكثر من 35 دولة وتغطي أكثر من 500 مليون مواطن أوروبي، ما يجعلها ركيزة أساسية للاستقرار السياسي والاقتصادي في القارة. وتُدار وفق مبدأ التشغيل المشترك وتزامن التردد الكهربائي، مع الالتزام بحرية تدفق الطاقة عبر الحدود.
المغرب، وإن لم يكن عضوًا رسميًا في ENTSO-E، إلا أنه يربط شبكته الوطنية مباشرة بالشبكة الأوروبية عبر إسبانيا، مما يؤهله للعب دور محوري في منظومة أمن الطاقة الأوروبية، خاصة في ظل تصاعد الطلب على مصادر نظيفة ومستقرة، وازدياد هشاشة الشبكات في مواجهة التغيرات المناخية والهجمات السيبرانية المحتملة.
وبينما تتجه أوروبا نحو الاستقلال الطاقي عن روسيا، كما يظهر من انفصال أوكرانيا ودول البلطيق عن الشبكة الروسية وانضمامها التدريجي إلى ENTSO-E، فإن التعاون جنوب المتوسطي بات ضروريًا أكثر من أي وقت مضى. ويظهر ذلك في بيانات 2024، حيث شكلت مصادر الطاقة المتجددة 46.9% من إجمالي إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، مع اعتماد شبه كامل في دول مثل الدنمارك والبرتغال على الرياح والمياه.
هذا السياق يفتح الباب واسعًا أمام المغرب، الذي يملك استراتيجية طموحة في الطاقات المتجددة، ليعزز حضوره كمصدر موثوق للطاقة النظيفة نحو أوروبا، خصوصًا مع مشاريع كبرى كمحطات الطاقة الشمسية والريحية، ومشاريع الربط الكهربائي الجديدة نحو المملكة المتحدة. وفي ضوء الأزمات المتكررة في الشبكات الأوروبية، يتعزز موقع المغرب كخيار استراتيجي في مرحلة إعادة هيكلة منظومة الطاقة الأوروبية.
هكذا، لم يكن مجرد تزويد بالكهرباء في لحظة طارئة، بل رسالة سياسية واقتصادية قوية: المغرب ليس فقط شريكًا جوارًا، بل جزء فاعل من معادلة الاستقرار الطاقي في حوض المتوسط وأوروبا.
تعليقات
0