ننطلق من مسلمة أساسية: هذا وحده يكفي لإسقاط الحكومة، نعم، لا نبالغ حين نقول إن ما يجري اليوم من عبث في ملف الدعم الفلاحي والغذائي يمس جوهر العدالة الاجتماعية وجدوى استمرار هذه الحكومة.
فمن فضيحة ملايير دعم استيراد الأغنام، التي ما زالت تفاصيلها وصدى غضب الشارع منها تتردد، إلى فضيحة دعم الحبوب التي ابتلعتها جيوب الكبار دون أن تصل تردداتها إلى رغيف المواطن، ثم إلى “هدية” كاتبة الدولة في الصيد البحري التي لم تُفهم إلا كتكريس لمنطق الريع والمحسوبية، نجد أنفسنا اليوم أمام محطة جديدة من الاستهتار بمصالح الشعب: فضيحة دعم الخضر.
لقد جاء قرار مفاجئ من وزارة الفلاحة لتوقيف الدعم عن الخضر لنكتشف أن الحكومة ضخّت أموالًا طائلة من أجل دعم الطماطم والبصل والبطاطس قبل ثلاثة سنوات، بدعوى حماية السوق وضمان وفرة الخضر الأساسية بأسعار معقولة. لكن ما الذي حدث؟ الأسعار ما زالت مرتفعة، الأسواق ما زالت تئن، والمواطن ما زال يدفع من جيبه الضعيف ثمن كل هذا العبث، بينما المستفيدون الحقيقيون يتخفّون في ظلال صمت الحكومة وتواطؤ أذرعها.
هذا المسلسل المتواصل من الفشل والفضائح يكشف بالملموس غياب أي رؤية حكومية واضحة، وانعدام الرقابة والمحاسبة. هل يُعقل أن تُضخ المليارات دون أثر يُذكر على حياة الناس؟ هل يُعقل أن تُرفع شعارات “الدعم الاستثنائي” بينما الاستثناء الوحيد هو في حجم الاستهتار؟
المشكلة لم تعد مجرد سوء تدبير، بل تحوّلت إلى أزمة ثقة عميقة بين المواطن والحكومة. وما يزيد الطين بلة هو هذا الصمت المستفز الذي تمارسه الحكومة، وكأنها تتعامل مع فضائحها بمنطق: دعوها تمرّ، وسينسى الناس. لا، الناس لا ينسون، والذاكرة الشعبية باتت مشحونة بالغضب، وحساب السياسة لا يُغلق بسهولة.
إذا كانت هذه الحكومة تعتبر نفسها في مأمن لأنها تتكئ على أغلبية عددية داخل البرلمان، فإنها مخطئة. لأن الشرعية الحقيقية هي تلك التي تمنحها الشعوب، وهذه الأخيرة بدأت ترفع صوتها بالأسواق وفي المقاهي وفي البيوت، تقول بكل وضوح: كفى!
اليوم، نحن لا نطالب فقط بمراجعة سياسات الدعم، بل نطالب بمحاسبة كل من تلاعب بلقمة عيش المواطن. نطالب بلجنة تحقيق مستقلة، وبكشف المستفيدين الحقيقيين من هذه الإعانات. نطالب بوضع حد لهذا المسلسل الذي لم ينتج سوى الفقر والإحباط وفقدان الثقة ، خلاصة القول نطالب بملتمس رقابة يفضي إلى إعفاء الحكومة من مهامها.
نعم، ما جرى في ملف دعم الخضر، مضافًا إلى ما سبقه من فضائح، وحده كافٍ لإسقاط هذه الحكومة. لأن الحكومات لا تسقط فقط بفعل الأزمات الكبرى، بل أيضًا عندما تعجز عن حماية الناس من الغلاء في الوقت الذي نفق الملايير على دعم تحوم حوله الشبهات الأمر الذي يجعل من هذه المعركة هي المعركة الحقيقية … وهذه معركة لن نتراجع عنها.
تعليقات
0