“موسم مولاي بوعزة” يختتم فعالياته بتكريس رمزيته الروحية ومكانته الصوفية ودوره في التنمية المجالية

خنيفرة: أحمد بيضي

أسدل الستار، يوم 10 ماي 2025، على فعاليات “موسم مولاي بوعزة”، إقليم خنيفرة، الذي نظمته جمعية أبي يعزى يلنور، بشراكة مع جماعة مولاي بوعزة والمجلس الإقليمي لخنيفرة، وبتنسيق مع عمالة الإقليم، تحت شعار: “موسم مولاي بوعزة: هوية ثقافية وثوابت روحية ووطنية متجذرة”، في دورة تميزت بزخم كبير في الأنشطة الثقافية والدينية والاقتصادية، وشهدت التظاهرة، التي امتدت من 5 إلى 10 ماي، بعد افتتاحها في حضور العديد من الفعاليات الرسمية والعلمية والمدنية، على رأسها عامل إقليم خنيفرة، إلى جانب رؤساء المجالس العلمية الجهوية والمحلية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وأكاديميين ومبدعين، إضافة إلى فاعلين في المجتمع المدني.

توزعت فقرات البرنامج على عروض فنية فلكلورية، واستعراضات في فن “التبوريدة”، إلى جانب ندوات علمية رصينة، ومعارض للمنتوجات المجالية والتقليدية، فضلا عن مسابقات رياضية، وحملات طبية وتحسيسية استهدفت الساكنة المحلية، مما جعل من هذا الموسم موعدا سنويا لتعزيز الرواج الاقتصادي وترسيخ المنطقة كوجهة سياحية وثقافية صاعدة، ومن لحظات الموسم، الزيارة التي قام بها عامل الإقليم والوفد المرافق له إلى ضريح الولي الصالح أبي يعزى يلنور، دفين جبل إيروجان، في تقليد سنوي يجدد فيه أبناء المنطقة والعلماء والمهتمون الارتباط بالتراث الروحي الصوفي العريق الذي تمثله شخصية الشيخ أبي يعزى.

وقد عرف الافتتاح الرسمي كلمات ترحيبية لكل من رئيس المجلس الجماعي ورئيس جمعية أبي يعزى يلنور، أعقبتها مداخلات علمية أثرت النقاش في موضوع التصوف المغربي، حيث افتتح رئيس المجلس العلمي الجهوي، ذ. المصطفى زمهني، أشغال الندوة بكلمة حول دور التربية الصوفية في تهذيب النفس وبناء الإنسان، تلاه رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، ذ. عباس أدعوش، بكلمة حول مكانة التصوف المغربي في تشكيل الشخصية الدينية للمغاربة، كما أشار المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية، ذ. الحبيب الكردودي، إلى البعد الروحي والاجتماعي للتصوف، ودوره في ترسيخ الاستقرار الأخلاقي والسلوكي داخل المجتمع.

وفي سياق إبراز الاهتمام المؤسسي الرسمي بالتصوف المغربي، نظّم المجلس العلمي ندوة فكرية بعنوان: “التصوف بالمغرب: ثابت ديني أثيل وإشعاع روحي وصيل”، بمشاركة نخبة من العلماء، من بينهم رئيس المجلس العلمي الجهوي، ذ. المصطفى زمهني، ورئيس المجلس العلمي لبني ملال، ذ. عبد الرحمن العضراوي، ورئيس المجلس العلمي للفقيه بن صالح، ذ. محمد ند عبد الله، وقد أجمع المتدخلون على الدور المركزي للتصوف في تزكية النفوس وتربية الإنسان، مستعرضين خصال الشيخ أبي يعزى كنموذج روحي مغربي أصيل، وتوقفوا عند مفاهيم التربية الروحية والجمالية في بناء القيم وتشكيل الهوية المتوازنة للمجتمع المغربي.

وبشراكة مع “المركز المغربي للبحث العلمي وتطوير الكفاءات”، تم تنظيم ندوة تحت عنوان: “التربية الصوفية ومقاصد ترسيخ القيم والأمن الروحي والهوية الوطنية”، بمشاركة عدد من الأساتذة والباحثين، هم رئيس المجلس العلمي المحلي لبرشيد، ذ. عبد المغيث بصير، الذي تناول “البعد الروحي للتصوف المغربي وأثره في استقرار النفس والمجتمع”، فيما أسهم الباحث في التاريخ والتراث، ذ. جواد التباعي، بورقة حول “البعد التربوي للتصوف ودوره في تكوين الإنسان المواطن المتشبع بقيم الاعتدال”، أما ذ. إلياس الخاتري، فقد قدم مداخلة بخصوص “العلاقة بين التصوف والهوية الوطنية”، في حين ناقش ذ. بدر العوني “أبعاد التصوف كرافد للفكر الإسلامي المتوازن“.

وفي سياق إبراز تلاقي التصوف بالأدب والفكر، احتضن الموسم بشراكة مع “مختبر السرديات المغربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ـ الدار البيضاء”، ندوة أدبية خصصت لقراءة أعمال الكاتب والباحث الجامعي المغربي، ذ. شعيب حليفي، وشهدت تقديم قراءات نقدية في إصدارين من أعماله، هما: “الخط الزناتي” و”الشيخ والجبل”، بمشاركة النقاد ذ. عبد الله بوغابة وذ. أحمد أدجعي، وتنسيق ذ. عصام أبا الحسان، حيث تطرق المتدخلون إلى البنية السردية والمرجعيات الثقافية والفلسفية في نصوص الكاتب، التي أضحت علامة فارقة في المشهد الأدبي المغربي، لما تحمله من دمج فني بين الخيال والتاريخ والبعد الصوفي.

وعلى هامش الندوتين الفكريتين، تم تنظيم حفل توقيع ثلاثة كتب: أولها إصدار ذ. جواد التباعي المعنون بـ “مولاي بوعزة: المقدس الصوفي والمعماري في خدمة اقتصاد التراث”، والذي يرصد التحولات المجالية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بضريح الولي الصالح، كما وقّع ذ. شعيب حليفي عمله “الخط الزناتي”، الذي يقدم سردا مفعما بالأسئلة الوجودية والهوياتية في مواجهة هامشية الواقع، بالإضافة إلى كتابه “الشيخ والجبل”، الذي يشكل امتزاجا سرديا بين سيرة الشيخ أبي يعزى والتجربة الصوفية المغربية في قالب يمزج بين روح التصوف والحكي الفلسفي والسرد الأدبي.

وفي الجانب الاحتفالي، شهدت فعاليات “موسم مولاي بوعزة” عروضا في فن “التبوريدة”، ومعرضا غنيا للمنتوجات المجالية والتقليدية، شاركت فيه عدد من التعاونيات المحلية، مساهمةً في تحريك العجلة الاقتصادية بالمنطقة، كما انخرط النادي البيئي بثانوية المنصور الذهبي في حملة نظافة واسعة شملت عددا من أحياء مولاي بوعزة، استهدفت ترسيخ ثقافة بيئية لدى الناشئة، وعلى المستوى الرياضي، نظّمت النسخة الثالثة من “سباق الشيخ أبي يعزى يلنور على الطريق”، بمشاركة أطفال وشباب، في إطار دعم المواهب الرياضية المحلية، وكل هذه الأنشطة الموازية سجلت متابعة سكانية واسعة.

ويعد “موسم مولاي بوعزة” من بين أبرز التظاهرات الروحية على مستوى المملكة، التي تستقطب آلاف الزوار سنويا من مختلف جهات المملكة، بفضل ما يتيحه من فرص لاكتشاف الموروث الثقافي والتاريخي والمعالم الطبيعية لمنطقة تاغيا، الواقعة في قلب الأطلس المتوسط، ويراهن أبناء البلدة من خلال هذه التظاهرة على إبراز المؤهلات التراثية والسياحية للمنطقة، وجعل الموسم منصة للتعريف بها وطنيا، بعدما تحول من مجرد موسم ديني إلى فضاء متكامل يدمج بين الروحانيات والمساهمات التنموية، بالنظر لما يعكسه من عمق التراث الصوفي المغربي وأهمية الحدث في الدفع بعجلة التنمية المحلية.

ويكتسي هذا الموعد السنوي طابعا رمزيا خاصا، لارتباطه بسيرة أحد أعلام التصوف المغربي، الشيخ أبي يعزى يلنور، الذي عاش خلال فترة الانتقال بين الحكم المرابطي والموحدي، واشتهر بزهده وكراماته، وتوفي عن عمر ناهز 130 سنة، ليدفن بجبل إيروجان، ويعد ضريحه، المعروف باسم “مولاي بوعزة”، مزارا شهيرا للباحثين عن “البركة والسكينة الروحية”، وقد خلدت سيرته ومناقبه كتب العديد من الباحثين والعلماء، من أمثال ابن الزيات والصومعي وعبد الوهاب بنمنصور وأحمد التوفيق وإبراهيم حركات، باعتباره أحد القامات الروحية التي تركت بصمة متجذرة في الوجدان المغربي.