شعلة خنيفرة تحتفي بخمسينية الجمعية في ندوة حول الشباب والسؤال الثقافي بمغرب اليوم

أنوار بريس الأحد 18 مايو 2025 - 18:45 l عدد الزيارات : 2919
أحمد بيضي
 في إطار أنشطة “جمعية الشعلة للتربية والثقافة”، التي تزامن تنظيمها مع احتفاء الجمعية بمرور خمسين سنة على تأسيسها، وتفعيلا لبرنامجها التعاقدي برسم سنة 2025، نظم فرع هذه الجمعية في خنيفرة، يوم الجمعة 16 ماي 2025، ندوة فكرية بعنوان “الشباب والسؤال الثقافي بمغرب اليوم”، افتتحها ذ. إدريس شرقني بكلمة ذكر فيها بمسار الجمعية منذ تأسيسها سنة 1975 بالدارالبيضاء، وبتجربة فرع خنيفرة التي انطلقت سنة 1995، موجها تحية وفاء للمؤسسين والفاعلين الذين ساهموا في بناء هذا الصرح التربوي والثقافي على مدى العقود الماضية، فيما أشار إلى أن برمجة هذه الندوة تمت قبل هذا التاريخ، غير أن ظروفًا إدارية حالت دون تنظيمها في وقتها المحدد.
وأكد شرقني أن اختيار موضوع الشباب والسؤال الثقافي لم يكن اعتباطيا، بل يأتي تجاوبا مع الحاجة الملحة لمقاربة واقع شباب مغرب اليوم، من حيث تطلعاته وتحدياته، ورغباته في التموقع داخل مجتمع يسعى إلى ترسيخ قيم المساواة والكرامة والمناصفة، وهو رهان اعتبره من صميم العمل الذي يجب أن تضطلع به الفعاليات المجتمعية والمؤسسات الثقافية والتربوية على السواء، مشددا على أهمية الإصغاء لصوت الشباب وتمكينهم من أدوات الفعل الثقافي والمجتمعي، بينما عبر عن اعتزازه، رفقة باقي أعضاء ومؤسسي الفرع، بالمسار التاريخي لجمعية الشعلة وما راكمته من إنجازات نوعية في ميادين التربية والثقافة.
وبعد الكلمة الترحيبية التي تقدم بها مدير دار الشباب أم الربيع التي استضافت “ندوة الشعلة”، لم يفت مندوبة فرع الجمعية، إلهام نقاش، استعراض الخطوط العريضة لأرضية المكتب المركزي بخصوص “رمضان الشعلة الثقافي 2025″، كمحطة ثقافية نوعية تعكس التزامها المستمر بقضايا الشباب وتكوينهم الفكري والمعرفي، وتأتي استجابة لحاجة الأجيال الصاعدة إلى فعل ثقافي جاد يحرر الطاقات، ويعزز التفكير النقدي، ويرسخ الهوية الثقافية في ظل التحولات المجتمعية المتسارعة، فضلا عن تجسيده لرهان استراتيجي يجعل من الثقافة أداة للتحرر، وجسرا للحوار، وفضاء لصناعة المستقبل.
في مستهل أشغال “الندوة الشعلوية”، قدم الناقد والقاص ذ. الحسين والمداني، المعروف أدبيا باسم “حسام الدين نوالي”، مداخلة تأسيسية تمحورت حول الإطار النظري لدراسة موضوع الشباب والتحولات الثقافية، وارتكزت مداخلته على مجموعة من المقاربات النظرية من أبرزها نظرية الفضاء العمومي، ودراسات التهجين الثقافي وإنتاج الهويات الجديدة، إلى جانب نظرية الثقافة الشبابية في فهم دينامية التغيير، ومظاهر التمرد والاختلاف، وكذا المقاربة السوسيولوجية للتغير الاجتماعي، فيما أبرز المتدخل علاقة الشباب المغربي بالتحولات المجتمعية المتسارعة، والتي أفرزت توجهات فردية صاعدة تعيد تشكيل أنماط الانتماء والتعبير.
وتوقف المتدخل عند دور الوسائط الرقمية ذات الانتشار السريع والطابع التشاركي واللامركزي، والتي أصبحت تشكل ممارسات ثقافية مركزية لدى الشباب، كما تناول أسئلة التحولات الثقافية من زاوية تأثير هذه الوسائط على بناء التفكير النقدي والهوية الثقافية، وزاد فأكد أهمية الخصوصية الثقافية باعتبارها رافعة للتناغم الاجتماعي، وآلية لتجاوز التوترات والقلق الوجودي، ليختتم مداخلته بمقترحات عملية، منها أساسا تعزيز فهم التموقع بين الواقعي والافتراضي، كأحد الأدوار الجديدة للمؤسسات التربوية والثقافية، ترسيخ ثقافة الإيمان بالاختلاف، عوض الارتهان لليقينيات المغلقة، وبناء تفكير نقدي نشيط قائم على التفاعل والمبادرة لا على التلقي السلبي.
وبدورها، أكدت ذة. إكرام آيت ماما، خلال مشاركتها بورقة حول “الشباب والحقوق الدستورية”، أن الحديث عن الشباب ليس مجرد تناول لفئة عمرية عابرة، بل هو استحضار لعنصر محوري في صياغة مشروع وطني مستقبلي، وأبرزت أن الدول، ومنها المغرب، أولت اهتماما بالغا بالشباب، معتبرة إياهم الركيزة الأساسية في التنمية، فيما استحضرت المتدخلة دلالات أول احتفال بعيد الشباب سنة 1956، مشيرة إلى أن الجيل الذي واكب هذا الحدث لعب دورا مهما في مرحلة ما بعد الاستقلال، وتساءلت في هذا الإطار عن مدى توافق هذا التقدير الرمزي مع الإجراءات العملية التي تكفل للشباب حقوقهم وتمنحهم فرص المشاركة في التنمية.
واستندت آيت ماما إلى فصول من الدستور تبرز مكانة الشباب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتنص على تمكينهم من ولوج مختلف المجالات، كما وقفت عند إحداث المجلس الاستشاري للشباب، باعتباره آلية مؤسساتية تعنى بحماية الشباب وتطوير حياتهم الجمعوية، بينما اعتبرت أن الجمعيات تشكل فضاء حقيقيا لتكوين الشباب وتعزيز روح المواطنة والحوار والمسؤولية، كما تمنحهم فرصة لاكتساب مهارات القيادة والتنظيم والمشاركة في اتخاذ القرار، دون أن يفوت المتدخلة إبراز التحديات التي تعيق ترجمة النصوص إلى سياسات ملموسة، مع دعوتها إلى الإيمان بقدرات الشباب وإشراكهم في صياغة الحاضر والمستقبل.
أما الفاعل المدني المهتم بقضايا الشباب، ذ. يونس وهرار، فقدم مداخلة انطلق فيها من البعد الديمغرافي والاجتماعي لهذه الفئة، ليركز على “مبادرة الحكومة المنفتحة”، التي تم الإعلان عنها في شتنبر 2011 خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أطلقتها ثماني دول بهدف تعزيز الديمقراطية التشاركية عبر تمكين المواطن، وتكريس مبادئ الشفافية ومحاربة الفساد، واستثمار التكنولوجيات الحديثة، وأشار المتدخل إلى ما بذله المغرب من جهود للالتحاق بهذه المبادرة إلى أن توجت بصدور القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات سنة 2018، مما مكنه من استكمال شروط الانضمام ليصبح العضو 76 في المبادرة.
وعلى إثر ذلك، تم إعداد خطة عمل وطنية بشراكة بين القطاعات الحكومية وهيئات الحكامة والمجتمع المدني، من ضمنها “حركة شبابية” بإقليم خنيفرة، حيث أشار المتدخل إلى انضمام ثماني جماعات ترابية مغربية، من بينها جهة بني ملال–خنيفرة، إلى المنصة الدولية لمبادرة الحكومة المنفتحة، ولم يغفل الإشادة بمبادرة “حركة شبابية” بخنيفرة التي بادرت بمراسلة عدد من جماعات الإقليم للانضمام إلى هذه الشراكة، مؤكدا على أهمية هذا التفاعل المدني في فتح آفاق التعاون بين الشباب والطلبة الجامعيين وهذه الجماعات، بما يعزز ثقافة المشاركة المواطنة ويبرز المنافع العملية لهذه المبادرة في تحسين الشفافية وتجويد الخدمات العمومية..
سجلت الندوة حضورا متنوعا ونوعيا، غالبيته من الشباب والشابات، إلى جانب نساء وطلبة وعدد من الفاعلين المدنيين والمشتغلين في الحقل التربوي والجمعوي، ما أضفى على النقاش ثراء وتعددا في الآراء والرؤى، حيث تميزت التفاعلات والنقاشات بعمقها، خاصة حول أدوار الشباب في الشأنين المحلي والوطني، وموقعهم ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى أهمية إشراكهم في صناعة القرار ومنحهم فرصا حقيقية للمساهمة في رسم معالم مستقبل المدينة والوطن، انسجاما مع تطلعات المجتمع المغربي نحو مزيد من العدالة الاجتماعية والمواطنة الفاعلة.
كما طُرح خلال أجواء النقاش سؤال المسؤولية المؤسساتية تجاه الشباب في خنيفرة، مقارنة بما هو متاح في مدن أخرى، إلى جانب الإشكال المرتبط بتنامي العنف داخل المؤسسات التعليمية، ودور الجمعيات في احتوائه والحد من آثاره، ولم يغب عن الحضور التأكيد على أهمية الإنصات لتطلعات الشباب، في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة، والحاجة إلى سياسات تستجيب لطموحاتهم المتجددة، بوصفهم الفئة الأكثر ديناميكية وتأثيرا في المجتمع، القادرة على الاضطلاع بدور محوري في بناء الحاضر واستشراف المستقبل، على أساس الادماج المجتمعي والاستجابة للمطالب في العيش الكريم والتطلع بأمل تحقيق التطلعات.
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

مقالات ذات صلة

الأحد 18 مايو 2025 - 21:15

“أغورا” بخنيفرة تعيد تشكيل مسرحية “أصاد” من نص روسي إلى سرد أمازيغي بعيدا عن الفضاءات المغلقة

الأحد 18 مايو 2025 - 20:59

“الملتقى الوطني للتراث” يختتم دورته الثانية في خنيفرة بالدعوة إلى تثمين الموروث الثقافي وتحصين المواقع التاريخية

الأحد 18 مايو 2025 - 19:29

الحاجب تحتفي بالذكرى 69 لتأسيس الأمن الوطني

الأحد 18 مايو 2025 - 18:21

المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي

error: