ليس من الإنصاف أن نخاطب المغاربة بلغة الإنجاز ونحن نقرّ، في نفس اللحظة، بفشل المدرسة العمومية في أداء مهامها الأساسية.
في كلمتكم الأخيرة أمام مجلس النواب، السيد رئيس الحكومة، قدمتم ما بدا وكأنه جردٌ زاهٍ لإنجازات قطاع التعليم، غير أنكم، ودون أن تشعروا، وقعتم في تناقضات لا يمكن تغافلها، تعكس هشاشة التصور الذي تبشرون به لإصلاح المدرسة المغربية.
قلتم إنكم تسجلون “بكل اعتزاز” مؤشرات إيجابية في قطاع التربية، ثم اعترفتم بأن 70% من تلاميذ التعليم العمومي لا يتحكمون في المقرر الدراسي، وبأن المغرب في ذيل التصنيفات الدولية.
قلتم إنكم تحدثون قطيعة مع الأساليب السابقة، ثم ربطتم خارطة الطريق الجديدة بنفس القانون الإطار القديم الذي أثبت محدوديته.
قلتم إنكم تدافعون عن مدرسة الإنصاف، ثم سردتم أرقاما ضخمة ترصد لمدارس “الريادة”، دون أن توضحوا كيف ستستفيد الأغلبية الساحقة من التلاميذ المغاربة من هذا النموذج، عدا كونه مشروعا تجريبيا محدود النطاق والجدوى.
ثم كيف نقبل بحديثكم عن نجاحات التعليم، والبلاد ما تزال تسجل سنويًا أرقاما ثابتة للهدر المدرسي؟ وكيف نطمئن لمستقبل الجامعة المغربية، وأنتم تفتخرون بعدد المسجلين دون أن تصارحوا الرأي العام بنسبة العاطلين من الخريجين؟
وهل يكفي أن نتباهى بإحداث مسالك جديدة ومراكز للتميز، في حين أن الأحياء الجامعية تئن، والبحث العلمي يعيش على فتات المنح؟
السيد رئيس الحكومة، إننا لا نشكك في النوايا، ولكننا نضع إصبعنا على واقع مأزوم لا تعالجه خطب محكمة الصياغة. فالإصلاح لا يقاس بعدد الفصول المجهزة، بل بمدى قدرة المدرسة على إعادة الثقة إلى الأسر، وضمان تكافؤ الفرص لكل طفل مغربي، في الجبل كما في المدينة، في المدرسة الجماعاتية كما في مدرسة الريادة.
مدرسة المستقبل لا تبنى على فوارق ولا على تصنيفات ولا على تجريب محدود المدى. إنها تُبنى على مشروع وطني جامع، وعلى إرادة سياسية تنصت لنبض المجتمع، لا لصدى الخطاب الحكومي. وإذا كان من شيء ينبغي أن نبدأ به، فهو الاعتراف بأن الأزمة أكبر من أن تختزل في مؤشرات مرحلية، وبأن الإصلاح لا يبدأ من القمة، بل من الميدان، من القسم، من الطفل، من الأستاذ، من ولي الأمر، من يوميات معاناة المنظومة التي تحتاج أكثر من مجرد نوايا.
عفوًا، السيد رئيس الحكومة، لا نحتاج مدرسة تُرضي تقارير الحكومة، بل مدرسة تُرضي كرامة التلميذ المغربي.
تعليقات
0