جواد شفيق
هكذا ، و بدون مقدمات ، و بعد أن كنا قبل سويعات فقط من موقف الفريق الاشتراكي و من انعقاد المجلس الوطني للحزب الذي زكى موقف هذا الأخير بوقف التنسيق حول ملتمس الرقابة (المبادرة الاتحادية بامتياز ، في هذا الزمن كما في الأزمنة الأخرى) ، و بعد أن كنا “سمنا على عسل” و معارضة متوحدة ، متفاهمة ، ليس بينها “بياع و لا شراي و لا فاقد لقراره” ، و وقعنا جميعنا ، و صرنا على مرمى حجر من التوفق في إعمال مقتضى دستوريا(الفصل 105 من الدستور ) ظل راكدا منذ آخر ملتمس رقابة عرفته الحياة البرلمانية شهر ماي من سنة 1990، و تقدم به آنذاك الفريق الاشتراكي ، كما هي العادة ، و لكن بمعية حلفاءه هذه المرة… ثم أدخلت المبادرة نفق التفاصيل الشيطانية غير المحترمة لأبسط تقاليد و أعراف و حتى قوانين و ضوابط العمل البرلماني ، مما كان واجبا معه على الاتحاد أن ينأى بمبادرته و نبل غاياتها عن محاولة اختلاسها و عن عبث التخريجات البئيسة و التهافتات المفلسة.
فجأة و بدون مقدمات ، و لأننا اتخذنا بناء على تقديرنا و تقييمنا المستقلين و الموضوعيين موقفا سياديا للحزب ، لم نعد الحليف ، و لا الصديق و لا حتى زميل المعارضة، فجأة صرنا كل شرور الدنيا السياسية !! التي ما كنا لنكونها لو فقط “سمحنا فحقنا” و “عطينا حمارنا” من أجل جمال عيون هذا ، و شنب ذاك و طابع صلاة الآخر.
ثارت ثائرتهم و أخذتهم العزة بالملتمس الذي صار يتيما بدوننا ، و هلم طعنا ، و رجما بالغيب ، و نسجا للسيناريوهات ، و قد استوى في ذلك اليساري و الإسلامي و لست أدرى أين أضع ثالثهم.
و بالعودة إلى أصل الموضوع ، لابد أن نذكر بأن مبادرة طرح ملتمس الرقابة هي نتاج اتحادي خالص منذ حوالي سنتين من الآن . إذ يكفي أن نقول بأن نسبة البطالة كانت قد بلغت حينها رقما مهولا و غير مسبوق على الإطلاق وصل إلى %23 من اليد العاملة النشيطة مما استوجب معه الالتفاف حول مبادرة الاتحاد لجر الحكومة عن طريق ملتمس الرقابة إلى مساءلة مؤسساتية تنعش النقاش العمومي و التربية السياسية ، و لكن الذي جرى كان مخزيا يدين أصحابه ، المفتعلين حاليا لهذه المناحة الكبرى.
بنكيران وسم المبادرة بالمؤامرة ، و لم يقل على من ؟
أوزين قال في برنامج نقطة إلى السطر : حنا ما كنطلقوش البارود على الخاوي ؟ البارود كيطلقوه الرجال أولدي .
في حين “تلبد” الرفيق في انتظار أن يبيض الديك .
احترم الاتحاد مواقف باقي مكونات المعارضة ، و لم يقذف أحدا أو يلعن أو يخون حزبا أو فريقا …و ما بالك أن يحول نفسه إلى نفاثة في العقد تقرأ الفناجين.
و بعدها بشهور ، انفجرت فضيحة الفراقشية ، فجيء بمقترح لجنة تقصي الحقائق ، و انخرط فيها الاتحاد بشكل عفوي و مبدئي ، و بالنظر لاستحالة نجاحها عدديا ، أعاد طرح مقترح ملتمس الرقابة ، و لم يعترض على انضمام أحد من مكونات المعارضة إلى المبادرة ، غايته في ذلك منح ديمقراطيتنا “السخفانة” ، و حقلنا السياسي المؤسساتي الذي أغلقه التغول فرصة انتعاش و تجديد للدماء من خلال مبارزة مؤسساتية بين الحكومة و أغلبيتها و المعارضة و مكوناتها…
لم يكن للاتحاد أي وهم حول إمكانية “أن يعارض مجلس النواب في مواصلة الحكومة تحمل المسؤولية ” ، فذلك يتطلب دستوريا تصويت أغلبية مطلقة على ملتمس سحب الثقة ، و لكنه كان واثقا ، عدديا على الأقل، من حتمية جر الحكومة إلى المساءلة ، و لذلك بدل ما يكفي من الجهد البيداغوجي و الإنصات الرفاقي و الأخوي لإقناع الإخوان و الرفاق بمبادرته.
و هو ما حصل ، قبل أن يتحول الأمر إلى مضحكة ، ميزتها لفشوش و التمطيط و قول الشيء و نقيضة ….و “غدا نسقيك ألكامون” .
لم يعترض الاتحاد على أن يكون لشركائه في المبادرة رأي حول الوثيقة التي أعدها ، ذاك حقهم ، و ذاك هو جوهر أية شراكة ، و لكن عندما وصل الأمر إلى محاولة ركن صاحب المبادرة في الزاوية …فقد كان لزاما على رئاسة الفريق و قيادة الاتحاد أن ينتصروا لكرامة الاتحاد… و هو ما تم يوم الجمعة 16 ماي ، و أصبح موضع إجماع اتحادي يوم السبت 17 ماي.
فانطلقت الراجمات ، و لم يدعوا مثلبة إلا و ألصقوها بنا ، ما بقات لا أخلاق إسلامية ، و لا علاقات رفاقية ، و لا تقاليد ليبرالية .
لماذا ؟؟
لأننا قلنا لهم ، ما تعولوش علينا نكونوا مجرد كومبارس أو figurants .
فنحن الاتحاد الاشتراكي.
نعم نحن الاتحاد الاشتراكي .
اقرؤوا تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة لتعرفونا.
عودوا إلى ملتمس رقابة يونيو 1964 الذي قدناه لوحدنا بعبد اللطيف بنجلون و عبد الرحيم بوعبيد و عبد القادر الصحراوي و عبد الواحد الراضي و محمد لحبابي و المهدي العلوي ….و رفاقهم ، و قدمناه في عز سنوات الرصاص ، ضد حكومة أحمد باحنيني ، التي كان من بين أعضاءها المارشال أمزيان ، وزير الفلاحة، و الجنرالين أوفقير و المذبوح وزيرين للداخلية و البريد( وقتها لا أعتقد بأن أسلاف السي الأزمي كانوا يجرؤون على فتح أفواههم حتى عند الدونتيست)، هذا الملتمس التاريخي كانت عاقبته ، اتهامات لنا ، هي على الأقل سياسية ، بأننا نريد إسقاط النظام ، و نخدم أجندة جزائرية ، ثم غضبة ملكية كبيرة ، و إعلان حالة الاستثناء.
عودوا إلى ملتمس رقابة 14 ماي 1990 ، الذي كان لنا شرف قيادته مع حلفاءنا ضد حكومة عز الدين العراقي ، و إلى مناقشاته الرفيعة ، التي جعلت المرحوم الحسن الثاني يجملها في عبارة ” لقد وصلتني الرسالة” كما جاء في الكتاب الأخير لمولاي امحمد خليفة ، و هو الملتمس الذي فتح الباب مشرعا لمذكرات الإصلاح ثم مشاريع الإصلاح سنتي 1992 و 1996 .
نحن أيها السادة و الإخوة و الرفاق ، و لن نكون لكم سبابين و لا لعانين و لا مخونين كما اقترفتم في حقنا ، نحن أصل في هذا المضمار و لسنا تقليد ، نحن سادة قرارنا في سنوات الرصاص كما في سنوات القطن . نحن أعز ما نملك كرامتنا في المعارضة كما في المشاركة . و لذلك كنا و مازلنا عقدة فولاذية في بلاعيم كثيرين من الإخونج إلى الخومج يستحيل على كل مناشير الدنيا قطعها.
تعليقات
0