لقاء بخنيفرة يناقش دعم الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتتويجه بمعرض للمنتجات المحلية

أحمد بيضي السبت 24 مايو 2025 - 13:18 l عدد الزيارات : 17948

أحمد بيضي

في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى العشرين لانطلاق “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، والتي تمتد فعالياتها بإقليم خنيفرة من 19 إلى 24 ماي 2025، تمت برمجة سلسلة من الأنشطة والمنتديات والندوات الموضوعاتية التي تسعى إلى إبراز مكتسبات المبادرة وتثمين التجارب الرائدة في مجال التنمية المجتمعية، وفي هذا السياق احتضنت قاعة الاجتماعات بعمالة خنيفرة، صباح يوم الخميس 22 ماي 2025، لقاء علميا خصص لتسليط الضوء على جهود المبادرة الوطنية في إطار برنامجها الثالث الرامي إلى دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بغاية تعزيز دينامية التنمية المحلية والمجالية.

اللقاء الذي ساهمت به “مؤسسة روح أجدير الأطلس” على خلفية المناسبة، حضره عامل الإقليم، محمد عادل إهوران، والكاتب العام للعمالة ورئيس المجلس الاقليمي ورئيس الشؤون الداخلية، وعدد مهم من المنتمين للتعاونيات والجمعيات المهنية، والمجموعات ذات النفع الاقتصادي،  وثلة من الشركاء والمتدخلين وممثلي جمعيات المجتمع المدني، حيث عرف اللقاء تأطيرا علميا بمشاركة خبراء في مجالات الصناعة التقليدية والتجارة والتنمية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ويتعلق الأمر بالدكتور عبدالجليل الشرقاوي والدكتور محمد الإيلالي، والأستاذ أحمد باحرار، حيث رافقهم بتسيير اللقاء الدكتور محمد ياسين.

بعد الكلمة الافتتاحية لعامل الإقليم، تقدم د. محمد ياسين بكلمة وضع فيها الحضور في دلالة اللقاء وموقعه في إطار البرنامج المتنوع لعشرينية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اعتبرها “استثنائية على المستويين الإفريقي والشرق أوسطي، وفلسفة ملكية تجري وفق رؤى مشروعاتية واندماجية وتفاعلية”، واصفا إياها ب “الثورة الناعمة التي طبعت مسارها على مدى عقدين من الزمن بمكاسب واعدة”، دون أن يفوته مدى انفتاح المبادرة الوطنية على المجتمع المدني باعتباره قطب الرحى، وما عرفه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من تطور خلال السنوات الأخيرة كرهان استراتيجي من أجل خلق فرص العمل ونشر التنمية الاقتصادية ومكافحة الهشاشة والتهميش.

التحديات والانتظارات والتثمين

وقبل الخبيرين، قدّم الخبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ذ. أحمد باحرار، مداخلة مفصلة حول حصيلة تدخلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم خنيفرة، مستعرضا عددا من التحديات التي تستوجب حلولا ذكية، منها التغيرات الديمغرافية والمناخية، تقلبات الأسواق، وتحديات تسويق المنتجات المحلية، مشيرا إلى أهمية تثمين الصوف، وتطوير السياحة الإيكولوجية والصناعة التقليدية، في هذا السياق، تم تقديم أرقام عكست “ضرورة بلورة تصور جديد يعتمد الانتقال من مقاربة المجال إلى مقاربة الدوار”، كما تم التطرق إلى آفاق تنويع النسيج الاقتصادي المحلي وتعزيز سلاسل القيمة الواعدة عبر خبرات مهيكلة، وإعداد بنك مشاريع واعد.

وفي ذات السياق، أكد المتدخل على أهمية “التنسيق بين المتدخلين في المواكبة والتمويل، وتثبيت الدينامية داخل اللجنة الإقليمية”، إلى جانب “إعداد الدراسات التقنية الضرورية للمشاريع المستقبلية وتعيين لجن موضوعاتية لتتبع المنجزات”، ومن بين المقترحات، أوصى بإحداث مندوبية للسياحة على صعيد الإقليم، وإطلاق نسخ جديدة للمواكبة والتمويل، وإعادة النظر في تمويل الأنشطة الفلاحية المرتبطة بتربية المواشي، ومواصلة دعم حاملي المشاريع لتجاوز معيقات الولوج للأسواق، والحصول على شهادات السلامة الصحية والتراخيص اللازمة، والتكوين في مجالات الابتكار والتصميم، واستعمال الرقمنة.

وأشار إلى “أهمية دعم منصة الشباب واحتضانها لمجموعة زيان ذات النفع الاقتصادي”، مع اعتماد خطة خروج تدريجية لمواكبة حاملي المشاريع، وتفعيل الرقمنة في تتبع الطلبات لتعزيز الشفافية، وتقوية منصات القرب كمحرك لسياسة القرب وتنشيط المجال الترابي، مع تثبيت الموارد البشرية المؤهلة داخلها، كما شدد في ختام مداخلته على “ضرورة تعزيز المقاربة المجالية، وتوجيه الجهود نحو الجماعات الأقل استفادة، وتنسيق العمل بين أعضاء اللجن المحلية ومنسقي المنصات لتسهيل تتبع المشاريع”، مع اقتراح استقبال طلبات التمويل من التعاونيات على مستوى المنصات، وتثمين الرأسمال العقاري الجماعي لإقامة مشاريع لفائدة ذوي الحقوق.

انتاج الثروة، الرقمنة والتنوع

ومن جهته، تطرق الخبير الدولي، د. عبدالجليل الشرقاوي، في مداخلته، إلى الأثر الإيجابي الذي أحدثته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على تنظيمات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، منطلقا من التجربة الأوروبية التي تبنت نماذج مبسطة وغير معقدة على مستوى الإجراءات، بهدف تقريب الاقتصاد الاجتماعي من المواطن وتمكينه من الاندماج الفعلي في الدورة الاقتصادية، مؤكدا أن “الاقتصاد الاجتماعي، بحكم طبيعته الأفقية، يتقاطع مع عدة قطاعات، ولا يمكن فهمه إلا ضمن شروطه المتكاملة وآلياته الفعالة التي تمكن الفئات المستهدفة من تجاوز الإكراهات الهيكلية وتحقيق دخل قار ومتين”.

وأبرز الشرقاوي أن التحول الحاصل اليوم في الوعي، حتى داخل ساكنة المناطق الجبلية، يعكس إدراكا متزايدا لمعنى “المشروع” و”الدخل”، مما يفرض “العمل على تنمية القدرات من أجل قراءة وتحليل ما تم إنتاجه فعليا على مستوى المشاريع، والاعتماد على التقييم كمدخل للتعزيز والتطوير”، وزاد فشدد على أن الأساس في التنمية “ليس البنيات التحتية والمباني فقط، بل الإنسان وقدراته المهنية”، معتبرا أن الفضاءات تظل وسائل وليست غايات، كما اعتبر أن هذا القطاع لا يجب أن يختزل في كونه آلية لمحاربة الفقر، بل هو أداة لإنتاج الثروة وضمان توزيعها بعدالة، داعيا إلى تمكينه من الاعتراف القانوني الكامل.

أما الخبير الدكتور محمد الإيلالي فانطلق في مداخلته من الإطار المرجعي الذي يستند إليه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مستعرضا مختلف المقومات الوطنية المؤطرة لهذا المجال، وفي مقدمتها الخطة الوطنية للصناعة التقليدية، والمضامين الدستورية ذات الصلة بالتنمية البشرية، وأبرز أن البرامج القطاعية المعتمدة ترتكز على استثمار المؤهلات المجالية وتنسجم مع الرؤية الاستراتيجية 2030 التي تروم تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة على المستوى الترابي، كما أفاد الإيلالي بأن الرهانات المتعددة التي يواجهها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تتوزع بين الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية.

ولم تفت المتدخل الإشارة إلى أن تحقيق الطموحات التنموية يتطلب خلق فرص شغل حقيقية وربط هذا القطاع بباقي القطاعات المنتجة، مع اعتماد مقاربات حديثة “تدمج الرقمنة والتنوع والابتكار ضمن آليات تطويره”، ودعا إلى هيكلة التعاونيات القائمة وتأهيلها، مذكرا بأن المغرب يحتضن أزيد من 61 ألف تعاونية وطنيا، وهي في حاجة ماسة إلى “مواكبة فعالة وتشبيك منهجي ورقمنة شاملة لمنتجاتها”، ليتوقف المتدخل عند تجارب التعاون مع الاتحاد الأوروبي، من خلال برامج تهدف إلى تطوير منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وإطلاق دينامية لصناعة مغربية ذات هوية واضحة، إلى جانب إعداد قانون إطار ينظم القطاع.

وفي هذا الإطار، أوصى د. محمد الإيلالي بإحداث “لجنة دائمة محلية تشتغل على وضع خارطة طريق تشاركية مع مختلف الفاعلين، وتفعيل حاضنات ومسرعات لإحداث تعاونيات وشركات اجتماعية مبتكرة، والعمل على مراجعة حديثة ومتكاملة للقانون المنظم للتعاونيات”، مستلهما التجارب الدولية الناجحة، وختم مداخلته بالإشارة إلى أن دولا متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان مثلا بلغت مستويات متقدمة في تطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي “لم يعد ينظر إليه كمجال هامشي أو هش، بل أصبح أحد الروافد الاستراتيجية المساهمة في إنتاج الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية”.

التفاعل والنقاش

خلال جلسة المناقشة التفاعلية، عبر الحضور عن مجموعة من التصورات والأسئلة والمقترحات التي عكست تنوع الاهتمامات والانشغالات المرتبطة بتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، خصوصا في سياق إقليم خنيفرة، وقد ركزت المداخلات على أهمية انفتاح الجامعة على عالم التعاونيات، وضرورة تفعيل حاضنات حقيقية للمشاريع النسائية، بما يضمن مرافقة فعالة ومهنية للفئات المستهدفة، كما طرح موضوع غياب شعبة خاصة بالسياحة في مؤسسات الإقليم، ما يدفع الطلبة إلى التوجه نحو أرفود، في وقت يتوفر فيه الإقليم على مؤهلات سياحية كبيرة تستوجب تثمينها عبر التكوين المحلي،  بينما ركزت تساؤلات أخرى على إشكالات مرتبطة بالتسويق المجالي والرقمي.

وأثيرت الحاجة إلى رفع القدرات في مجال العمل التعاوني، إلى جانب ملاحظات تتعلق بشرط السن في بعض المشاريع، الذي يشكل عائقًا أمام عدد من الراغبين في الاندماج الاقتصادي، ولم تغب الإشارة إلى أهمية التكوين المستمر، خاصة لفائدة التعاونيات التي تربطها اتفاقيات شراكة مع جهات دولية، والتي تواجه تحديات كبيرة في التدبير والتسويق، وطُرحت تطلعات لإحداث سوق نموذجي بالمدينة لتسويق المنتجات المحلية، بما يضمن إشعاعا أكبر للمنتج المحلي وفرصا لتوسيع شبكة الزبناء، فيما برزت مقترحات لإطلاق مشاريع جديدة كمنظومة تجميع الحليب، كما تمت الدعوة إلى تبني مقاربة قائمة على النتائج الملموسة.

فضاء المنتجات المجالية

تزامنا مع فعاليات اللقاء حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أعطيت يوم الخميس 22 ماي 2025، بساحة 20 غشت، بخنيفرة، الانطلاقة الرسمية لمعرض المنتوجات المجالية والحرف التقليدية، المنظم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، على أساس أن يمتد المعرض من 22 إلى 28 ماي، ويسعى إلى دعم التسويق المحلي وتحفيز دينامية الاقتصاد الاجتماعي، من خلال إتاحة فضاء للتعريف بالمنتوجات التراثية المحلية، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خصوصا تلك التي تشغل النساء والشباب في إطار أهداف المبادرة التي ترتكز على النهوض بالرأسمال البشري وتحسين دخل الفئات الهشة وتعزيز قدراتها الإنتاجية.

وحضر افتتاح المعرض عامل الإقليم مرفوقا بالكاتب العام للعمالة، ورئيس قسم الشؤون الداخلية، إلى جانب ممثلي المجالس المنتخبة، والسلطات المحلية والإقليمية، وعدد من الفاعلين المدنيين، وممثلي الغرف المهنية والمصالح الخارجية، في إشارة واضحة إلى الطابع التشاركي الذي يميز المشروع التنموي المحلي، وتميزت أروقة المعرض بتنوع عروضها، حيث ضمت منتوجات فلاحية وصناعات تقليدية ومنتوجات يدوية، ومواد تجميل طبيعية وأعشابا طبية وعطرية، بالإضافة إلى ابتكارات شبابية وخدمات مرتبطة بالهوية المحلية، كما أبرزت هذه التظاهرة مساهمات النساء، المستفيدات من برامج التمكين الاقتصادي للمبادرة الوطنية.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 24 مايو 2025 - 19:00

حقيقة نزاع شرطية مع سائق حافلة للنقل العمومي

السبت 24 مايو 2025 - 18:07

بين لغة الأرقام وصرخة الجيوب: هل يعكس تقرير المندوبية واقع المعيشة بالمغرب؟

السبت 24 مايو 2025 - 16:08

مكناس.. توقيف شخصين للاشتباه في تورطهما في سرقات بالكسر…

الجمعة 23 مايو 2025 - 23:31

خريطة الفقر في المغرب…حين يجد المواطن نفسه في مفترق المعاناة

error: