Ad Image

صيانة الطرقات والأرصفة ورش مفتوح على العبث وغياب المحاسبة

جواد رسام الأحد 1 يونيو 2025 - 17:29 l عدد الزيارات : 46962

بمجرد القيام بجولة ميدانية بسيطة في عدد من أوراش صيانة الطرقات والأرصفة في مدننا، تتجلى للمراقب حجم الخروقات التقنية والبيئية والبصرية التي تعرفها هذه المشاريع، التي من المفترض أن تساهم في تحسين جودة العيش الحضري، لكنها – وللأسف – أضحت عنوانا صارخا على عبث تدبيري وفساد هيكلي، غالبا ما يتم تمريره تحت عباءة المساطر الإدارية المغلقة والصفقات العمومية غير المراقبة.

الظاهرة ليست جديدة، لكنها مستفحلة ومستمرة في ظل غياب رادع حقيقي وفعال، بدءا من إعداد دفاتر التحملات إلى تمرير الصفقات ثم تتبع الأشغال. ولعل الأخطر، هو ما تسفر عنه هذه الأوراش من أضرار مباشرة بالمال العام، وتهديد لسلامة المواطنين، وتخريب للبنية التحتية والبيئية على حد سواء.

فالخروقات بالجملة ، و عين الرقابة غائبة، فتتمثل أولى الملاحظات في الغياب التام لاحترام المعايير التقنية الأساسية. فعمليات تثبيت الأرصفة تنجز بعشوائية، دون مراعاة للاستقامة أو التنظيف القبلي، كما تستخدم مواد رديئة وغير مطابقة للمواصفات، أبرزها “التوفنة” و الرمال، التي كثيرا ما ترفض في المختبرات التقنية المعتمدة.

ولا يتوقف الأمر عند حدود الجودة، بل يتعداها إلى الإضرار المباشر بالمجال البيئي، كالاقتلاع العشوائي للأشجار، رمي مخلفات الأشغال في مجاري الصرف الصحي، وتغطية قواعد الأشجار بالخرسانة، مما يخنق جذورها ويعرضها للموت البطيء.

و في مواقع أخرى، لوحظ كسر تجهيزات تحتية دقيقة، كأنابيب حماية الكابلات، وسكب عشوائي للإسمنت حول البالوعات، دون أدوات تأطير، مما يشكل تشويها بصريا واختلالا وظيفيا.

وراء كل هذه المظاهر، يختبئ مشكل أعمق يتمثل في طريقة إعداد الصفقات وتنفيذها. فبمجرد رصد الميزانيات وتحديد المقاولات المكلفة، تترك المشاريع تنجز بعيدا عن أي رقابة جادة.
تمر الأشغال في صمت، وتنجز غالبا من دون إشراف تقني فعلي، ولا محاسبة عند الإخلال ببنود دفتر التحملات. ويتم في أحيان كثيرة صرف دفعات مالية رغم وضوح الغش وغياب مطابقة الأشغال لما تم الاتفاق عليه تعاقديا.

هذا التراخي في تتبع المشاريع يطرح أسئلة مشروعة حول جدوى الأجهزة الرقابية، ومسؤولية الجهات المفوضة، بل وحتى الإطار القانوني المنظم للصفقات العمومية وطرق محاسبة المخالفين.
فالخاسر الأول في هذه المنظومة المختلة هو المواطن، الذي يصدم يوميا ببنية تحتية متدهورة، وأرصفة غير صالحة للاستعمال، وطرقات تتآكل بعد أشهر من إنجازها.
تضاف إلى ذلك الأضرار البيئية، وغياب شروط السلامة، وانتشار مخلفات الأشغال، وكأننا أمام أوراش لا تعترف لا بالذوق العام، ولا بالحق في الراحة والأمان.
الفساد في مثل هذه المشاريع لا يعني فقط تبديد المال العام، بل أيضا نسف الثقة بين المواطن والإدارة، وضرب مصداقية المؤسسات، وتعطيل مسار التنمية المحلية الذي يفترض أن ينطلق من احترام الحاجيات اليومية للمواطنين.
ليبقى السؤال الرئيسي المطروح هنا هو ما العمل؟
ما يحدث اليوم يستدعي وقفة صارمة، تبدأ بتفعيل آليات الرقابة الداخلية والخارجية، وتكثيف المراقبة التقنية عبر مكاتب دراسات محايدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة في كل مراحل المشروع، بدءا من الإعداد وحتى التسليم النهائي.
كما ينبغي وقف صرف أي دفعات مالية للمقاولات المتورطة في الغش، والعمل على تفعيل الجزاءات المنصوص عليها في دفاتر التحملات.
أما الأهم، فهو إعادة الاعتبار لمفهوم النجاعة العمومية، حيث تكون الكفاءة، والشفافية، وخدمة الصالح العام، فوق كل اعتبار.
إن صيانة الطرقات والأرصفة ليست مجرد عملية تقنية، بل مرآة واضحة لمدى احترام الدولة لمواطنيها ولقيم الحكامة الجيدة التي تتغنى بها السياسات العمومية.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 2 يونيو 2025 - 17:22

جلالة الملك يعزي أسرة المرحوم موسى السعدي…

الإثنين 2 يونيو 2025 - 13:35

السكرتارية الوطنية لقطاع الصيادلة الاتحاديين تعري أعطاب المهنة وتدعو لحماية الأمن الدوائي للمواطنين

الإثنين 2 يونيو 2025 - 05:00

النادي الرياضي الفنيدق يصعد إلى القسم الوطني الثاني هواة بعد مباراة مثيرة أمام اتحاد إمزورن

الأحد 1 يونيو 2025 - 14:41

“مؤتمر النسوية” يختتم أشغاله في الرباط بالتشديد على ترسيخ التمكين الاقتصادي للنساء كرافعة للعدالة والمساواة

error: