Ad Image

محاولة انتحار مأساوية تُفضح واقع حقوق الإنسان و التعسف الأمني بالجزائر

محمد اليزناسني الأحد 1 يونيو 2025 - 17:22 l عدد الزيارات : 31872

في مشهد صادم يلخص الوضع الحقوقي الكارثي في الجزائر، أقدم الناشط الاجتماعي فوزي زقوط على محاولة انتحار بإضرام النار في جسده، صباح الأحد، أمام مقر وزارة العدل بالعاصمة الجزائر، في خطوة احتجاجية صارخة ضد ما وصفه بـ”الظلم القضائي” الذي يتعرض له. المشهد، الذي تم بثه مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أعاد إلى الواجهة واقعًا مريرًا تتكتم عليه السلطات الجزائرية: دولة بوليسية تُطارد النشطاء وتحاصر الحريات وتكمم الأفواه.

زقوط، المنحدر من مدينة فرندة بولاية تيارت (غرب الجزائر)، ظهر في الفيديو وهو يرتدي قميصًا أبيض وربطة عنق سوداء، في دلالة رمزية على “جنازة العدالة” التي تحدث عنها، قبل أن يصب البنزين على جسده ويضرم النار أمام أعين المارة ومقر وزارة يُفترض أن تكون حامية للحقوق لا شاهدة على انتحارها. صديقه الذي كان يصوره فرّ من المكان، فيما تدخلت عناصر أمنية لإخماد النيران باستخدام مطفأة، لكن الرسالة وصلت إلى كل من يملك ضميرًا: الجزائريون صاروا يُشعلون النار في أنفسهم لعل أحدًا يسمع صراخهم!

في منشور على صفحته في فيسبوك قبيل الحادثة، كتب زقوط أن قاضيًا بمحكمة فرندة هدده بالسجن عشر سنوات بتهم تعسفية تتعلق بجمع تبرعات لمساعدة المرضى دون ترخيص رسمي. تُهمة كافية لإسكات أي فعل تضامني في بلد تُعامل فيه المبادرات الإنسانية كأنها مؤامرات، في ظل نظام لا يتسامح مع أي شكل من أشكال التنظيم أو التضامن الشعبي خارج الرقابة الأمنية.

ما جرى مع زقوط ليس حالة معزولة. القضاء الجزائري، الخاضع عمليًا لسلطة الأجهزة الأمنية، بات أداة قمع إضافية في يد النظام، يُستخدم لترهيب المعارضين والنشطاء وتصفية الحسابات مع كل من يجرؤ على رفع صوته.

محاولة زقوط إشعال النار في جسده ليست سوى صرخة ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن الجزائري منذ سنوات. التضييق على حرية التعبير بلغ حدًا عبثيًا، حيث لا يمر يوم دون اعتقال صحفي أو ناشط، ولا يتم تنظيم مظاهرة إلا وتنقض عليها قوات مكافحة الشغب. المنظمات الحقوقية الدولية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، تُصدر تباعًا تقارير قاتمة عن قمع الحريات وتعذيب المعتقلين السياسيين وانتشار المحاكمات الجائرة.

ويزداد الوضع قتامة مع استمرار الفساد المستشري داخل الأجهزة الأمنية، التي تمارس سلطتها المطلقة دون مساءلة. من الاعتقالات العشوائية إلى المراقبة الرقمية والتضييق على كل الأصوات المستقلة، بات من الواضح أن الدولة الجزائرية تسير نحو مزيد من الانغلاق والقمع الممنهج، متجاهلةً كل الدعوات للإصلاح والانفتاح.

ما حدث لفوزي زقوط لا يجب أن يُنسى أو يُختزل في مجرد “حادث فردي”. إنه مؤشر على مدى انسداد الأفق أمام شباب وناشطي هذا البلد الغني بموارده والمفلس بسياساته. لقد اختار زقوط أن يصرخ بألم جسده المحترق، لأن كل القنوات الأخرى أُغلقت في وجهه.

وإن كانت السلطات قد سارعت إلى نقله لمستشفى الحروق بالعاصمة، فإن علاجه الحقيقي لا يكمن في الإسعافات الأولية، بل في فتح حوار وطني جاد يعيد الاعتبار للحريات وكرامة المواطن، بعيدًا عن القبضة الأمنية ومحاكم التفتيش القضائية.

لكن، في ظل استمرار النظام الجزائري في قمعه الممنهج وتجاهله لصوت الناس، يخشى كثيرون أن يكون زقوط أول شرارة في نار لن تنطفئ قريبًا.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 03:37

وفاة عبد الحق المريني الناطق الرسمي باسم القصر الملكي ومؤرخ المملكة…

الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 03:23

اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه الكامل للمبادرة المغربية للحكم الذاتي…

الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 03:21

سيراليون تستنكر مغالطة حول الصحراء المغربية تضمنها تقرير مجلس الأمن إلى الجمعية العامة…

الإثنين 2 يونيو 2025 - 23:37

تراجع حالات الغش بامتحانات البكالوريا هذه السنة…

error: