Ad Image

أكادير تستعد لاحتضان مناظرة وطنية في إطار جامعتها الصيفية حول موضوع خطاب الوطنية وآفاق العمل الأمازيغي

أحمد بيضي الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 20:05 l عدد الزيارات : 52057

أحمد بيضي

تستعد مدينة أكادير، في الواحد والعشرين من يونيو الجاري، لاحتضان مناظرة وطنية رفيعة المستوى في إطار الجامعة الصيفية، تحت عنوان “إعادة صياغة خطاب الوطنية وآفاق العمل الأمازيغي”، بمشاركة واسعة لإطارات وفاعلين وباحثين أمازيغ من مختلف مناطق المغرب، وتأتي هذه المبادرة، وفق أرضيتها، في سياق تاريخي وسياسي دقيق، يتطلب إعادة مساءلة الكثير من المفاهيم والتوجهات التي حكمت العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين اللغة والثقافة والهوية، على ضوء التحولات الوطنية والإقليمية والدولية، التي أضحت تفرض على الفاعلين الأمازيغيين تجاوز مرحلة المطالبة والاحتجاج إلى مرحلة البناء والمساهمة الفعلية في صياغة المشروع الوطني المغربي بصيغة جديدة، أكثر شمولية وعدلاً وإنصافا.

وحسب الأرضية، لقد شكلت الحركة الأمازيغية، منذ عقود، في المغرب كما في بلدان شمال إفريقيا وجنوب الساحل، حركة إنسية وثقافية وحقوقية متجددة الجذور ومتطلعة نحو المستقبل، انطلقت من مساءلة عميقة للخطابات الرسمية والنخبوية السائدة حول اللغة والثقافة والهوية والانتماء، وساهمت بشكل ملموس في تصحيح اختيارات سياسية وثقافية ما بعد الاستقلال، انطلاقًا من منظور يؤمن بالتعدد والعدالة الثقافية والتاريخية، ومن خلال تراكم علمي ونظري راكمه مثقفوها وباحثوها ومبدعوها، ومن خلال نضال دؤوب لإطاراتها ومناضليها، استطاعت أن تفرض الاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2011، وأن تكرس حضورها الثقافي والهوياتي في السياسات العمومية، عبر خطوات أبرزها إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، كتتويج لمسار نضالي طويل.

لكن هذه المكتسبات، تضيف الأرضية، وإن كانت ثمرة نضالات حقيقية، تفتح اليوم أفقا جديدا أمام الفاعلين الأمازيغيين، يتجاوز حدود الاعتراف إلى أفق التفعيل والمأسسة، فمرحلة ما بعد الدسترة تتطلب من الفاعلين الانتقال من الدفاع إلى البناء، ومن رد الفعل إلى صياغة الفعل، ومن المطالبة بالاعتراف إلى المشاركة الفعلية في إعادة تشكيل خطاب الوطنية المغربية، وتحديد معالم المواطنة الفعلية التي تعكس حقيقة المجتمع المغربي في تعدده الثقافي والتاريخي والأنثروبولوجي، لقد آن الأوان لتجاوز التصورات الاختزالية والنزعات الإقصائية، القديمة منها والجديدة، وبناء هوية وطنية جامعة ومنفتحة، تستوعب الأمازيغية كلغة وثقافة ورؤية للعالم، لا كمجرد مكون، بل كمرجع أساسي في رسم معالم مغرب حديث، ديمقراطي، منفتح على إمكاناته وذاكرته الجماعية.

وعلى خلفية المناظرة الوطنية المقرر تنظيمها في إطار الجامعة الصيفية، فإن إعادة بناء مفهوم الوطنية لم يعد ترفًا فكريا، بل ضرورة تاريخية ووطنية، الوطنية المغربية اليوم لا يمكن أن تختزل في شعارات أو مرجعيات تتجاهل العمق الحضاري والإنسي الحقيقي للمغرب، بل ينبغي أن تقوم على الاعتراف المتبادل، وعلى المصالحة مع الذات الجماعية للمغاربة، وعلى الانخراط الجاد في بناء مشروع مشترك يحرر الطاقات ويؤسس لوطن متوازن في مكوناته، منفتح في مؤسساته، عادل في سياساته، ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة الملحة إلى دور مركزي للحركة الأمازيغية في بلورة هذا التصور الجديد للوطنية، سواء من حيث الخطاب أو من حيث الفعل، عبر خلق فرص للنقاش الحر والبناء بين مختلف الفاعلين، لتقريب الرؤى وتوحيد الجهود، والخروج بتصورات عملية.

لكن إعادة بناء الخطاب لا يمكن أن تتم في معزل عن إعادة النظر في آليات التنظيم والعمل، لقد أبانت السنوات الأخيرة عن نوع من المفارقة بين غنى الخطاب الأمازيغي وتضخم حضوره على مستوى النقاشات العمومية، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبين محدودية الفعل وتأثيره في دوائر القرار والسياسات العمومية، هشاشة التنظيم، وضعف التنسيق، وتشتت المبادرات، كلها عوامل ساهمت في تراجع فعالية الحقل الأمازيغي كمجال للعمل المؤطر والمستدام، من هنا، تبرز الحاجة إلى تفكير جماعي في بناء تنظيمات حديثة تستثمر تعدد المسارات والخبرات، وتوحد الرؤى حول مرجعيات مشتركة، وتعيد تفعيل التنسيقيات والجمعيات، وتعيد النقاش حول الأداة السياسية ذات المرجعية الأمازيغية كوسيلة لتعزيز الحضور في المشهد السياسي الوطني.

واستنادا لأرضية المناظرة دائما، تتطلب هذه اللحظة التاريخية من الفاعلين الأمازيغيين الالتزام بمسؤولياتهم التاريخية، والانتقال من مرحلة “رد الفعل” إلى مرحلة “المبادرة”، ومن منطق تصحيح الخطاب فقط، إلى منطق الإسهام في صياغة التعاقد الوطني الجديد، الذي لا يمكن أن يُبنى دون إدماج فعلي وعادل للأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة، ولأجل هذا، يصبح من الضروري تحديث الخطاب الأمازيغي، ليواكب تحولات السياق الجيوسياسي والوطني، ويتجاوز النزعات الضيقة، ويؤسس لأدوات اشتغال حديثة وفعالة قادرة على المبادرة والفعل والتأثير في السياسات والقرارات المؤسساتية، وفي ذلك ما دفع بالجامعة الصيفية بأكادير إلى إطلاق المناظرة بهدف استشراف آفاق جديدة للفعل الأمازيغي، وتقييم وضعيته الراهنة، وجعله في صلب المشروع المجتمعي.

Ad Image
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 5 يونيو 2025 - 16:52

مرسوم حكومي يعيد تنظيم مهنة السانديك…

الخميس 5 يونيو 2025 - 12:59

طقس حار مرتقب يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة

الخميس 5 يونيو 2025 - 09:55

أبرز عناوين الصحف الوطنية الصادرة اليوم الخميس 5 يونيو 2025

الخميس 5 يونيو 2025 - 09:18

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

error: