المغرب و بريطانيا يطلقان شراكة دفاعية استراتيجية: استثمارات في الصناعات العسكرية ونقل للتكنولوجيا

في خطوة استراتيجية غير مسبوقة تعكس تنامي الثقة والتقارب بين الرباط ولندن، أعلنت المملكة المتحدة رسميًا عن استثمارها المباشر في قطاع الصناعات الدفاعية بالمغرب، عبر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم ترسّخ شراكة ثنائية متقدمة في مجالات الأمن والدفاع ونقل التكنولوجيا.

ويأتي هذا التطور بعد الدعم البريطاني المتواصل لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، حيث تسعى المملكة المتحدة إلى توسيع حضورها الاستثماري في الأقاليم الجنوبية وتعزيز شراكتها مع المغرب في قطاعات حيوية ذات أبعاد استراتيجية.

أولى هذه الاتفاقيات تمثلت في توقيع مذكرة تفاهم بين إدارة الدفاع الوطني المغربية وشركة BAE Systems، إحدى أكبر الشركات العالمية في مجال الصناعات الدفاعية، المعروفة بإنتاج أنظمة متقدمة تستخدم في طائرات F-16 والأباتشي، إضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي والرادارات المتطورة والحلول السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير قدرات المغرب في تصنيع مكونات الطيران العسكري وتعزيز بنيته الصناعية المحلية.

كما تم التوقيع على اتفاقية ثانية بين جمعية الصناعات الدفاعية والأمنية البريطانية ADS Group والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، بغرض خلق ترابط صناعي بين البلدين، وتمكين المقاولات المغربية من الولوج إلى شبكات الابتكار والتصنيع البريطانية، ونقل التكنولوجيا الحديثة، وفتح آفاق التصنيع المشترك والتصدير نحو الأسواق الدولية.

وتمثل هذه المبادرات امتدادًا لمسار بدأ منذ سنة 2024، حين شرعت شركة Pratt & Whitney، المصنعة لمحركات مقاتلات F-16 و F-35، في إنشاء وحدة إنتاج بالمغرب. ومع دخول BAE Systems على خط التعاون، يصبح المغرب أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق هدفه الاستراتيجي بإرساء قاعدة وطنية لإنتاج وتطوير المقاتلات أو أجزائها محليًا، خاصة بعد إعلان شركة لوكهيد مارتن نيتها إقامة وحدة تصنيع في المملكة.

وتُعد هذه الشراكة نموذجًا للتكامل الدفاعي بين البلدين، حيث تعهد الجانبان، في إطار اللجنة العسكرية المغربية البريطانية المشتركة، بتنفيذ برنامج عمل مشترك يُعزز التعاون في مجال الدفاع البحري والصناعات الدفاعية المستقبلية، مع تبادل الموارد والخبرات التقنية، واستكشاف مشاريع ذات بعد ابتكاري في الأمن السيبراني والتقنيات الذكية.

سياسيًا، يعكس هذا التحول في طبيعة العلاقات المغربية البريطانية دعمًا ملموسًا لوحدة التراب المغربي، حيث تتزامن الاستثمارات الدفاعية مع مواقف بريطانية رسمية داعمة لمغربية الصحراء، واهتمام خاص بجعل الأقاليم الجنوبية منصة صناعية إقليمية واعدة.

ما تحقق اليوم يُعد لحظة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، وتحولًا نوعيًا من شراكة تقليدية إلى تعاون استراتيجي شامل يضع المغرب على طريق تعزيز سيادته الدفاعية، واستقلاليته التكنولوجية، وتنمية اقتصاده عبر صناعة دفاعية ذات قيمة مضافة عالية.