في خطوة قد تعيد رسم ملامح العلاقة بين الدولة الإيطالية وملايين المقيمين الأجانب، يتوجه الإيطاليون هذا الأسبوع إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء حاسم بشأن تعديل قوانين الجنسية وتعزيز حماية العمال. ويأتي هذا الاستفتاء في سياق مشحون بالانقسام السياسي والاجتماعي، حيث ترفضه حكومة جورجيا ميلوني اليمينية وتدعو إلى مقاطعته، في مقابل دعم واسع من أحزاب اليسار ومنظمات المجتمع المدني.
لكن ما وراء هذا السجال الداخلي الإيطالي، تبرز تداعيات أعمق وأكثر حساسية، خاصة بالنسبة للجالية المغربية الكبيرة المقيمة في البلاد، والتي تمثل إحدى أكبر الجاليات غير الأوروبية المستقرة بإيطاليا، إضافة إلى تأثيرات محتملة على خارطة الهجرة من دول الجنوب، وفي مقدمتها المغرب.
من أبرز النقاط التي يشملها الاستفتاء اقتراح تقليص المدة القانونية للحصول على الجنسية من عشر سنوات إلى خمس، وهو ما يعني – في حال إقراره – اختصار سنوات من الانتظار والغموض لمئات الآلاف من المغاربة المقيمين بإيطاليا. ووفق إحصاءات رسمية، فإن المغاربة يشكّلون نسبة معتبرة من أكثر من 213 ألف شخص حصلوا على الجنسية الإيطالية سنة 2023، وهم من بين الفئات الأكثر تضررًا من تعقيدات مساطر التجنيس.
يتجاوز الأمر الطابع الإداري ليمس عمق اندماج الجالية المغربية في المجتمع الإيطالي، خاصة بين الأجيال الثانية والثالثة. فالقانون الحالي يحرم الأطفال المولودين في إيطاليا لأبوين مغربيين من الحق في الجنسية إلى أن يبلغوا سن 18، ما يعمّق شعورًا باللاانتماء، ويزيد من هشاشة أوضاعهم القانونية والاجتماعية.
و يعد الاستفتاء لحظة فارقة للجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، ليس فقط لكونه يفتح نافذة قانونية جديدة، بل لأنه يعيد طرح مسألة المواطنة والانتماء السياسي في بلد يعاني من تنامي الخطاب الشعبوي المعادي للهجرة. وبينما تدعو حكومة ميلوني إلى المقاطعة، ترى فعاليات مغربية مدنية وسياسية أن الفرصة مواتية لانتزاع حقوق طال انتظارها، وتحقيق تحول نوعي في وضعية المغاربة بإيطاليا.
لكن ذلك رهين بنسبة المشاركة، في ظل التهديد بعدم صلاحية نتائج الاستفتاء ما لم يتجاوز عتبة 50% من مشاركة الناخبين المؤهلين. هذا التحدي يفتح نقاشًا حول الحاجة إلى تعزيز التمثيلية السياسية للمغاربة في الفضاء الإيطالي، وخلق أدوات ضغط ديمقراطي تضمن صوتًا مؤثرًا في مثل هذه المحطات الحاسمة.
الشق الثاني من الاستفتاء لا يقل أهمية، إذ يهم تعديل قوانين الشغل، وخصوصًا ما يتعلق بالعقود المؤقتة والتسريحات غير العادلة. وهو موضوع لصيق بوضعية آلاف العمال المغاربة الذين يشكلون أحد أعمدة الاقتصاد الزراعي والبناء والخدمات في إيطاليا، وغالبًا ما يشتغلون في أوضاع هشة تفتقد للاستقرار المهني.
وبينما تسعى “الكونفدرالية العامة للعمل” إلى كبح جماح قوانين “تحرير سوق العمل” التي أضرت بالطبقات الكادحة، فإن دعم المغاربة لهذا التوجه قد يعكس رغبتهم في تعزيز الأمان الاجتماعي، والحد من التمييز والاستغلال.
تتجاوز تداعيات الاستفتاء حدود الداخل الإيطالي، إذ يُرتقب أن يكون لأي تغيير في قوانين الجنسية والعمل أثر مباشر على حركة الهجرة المغربية نحو إيطاليا. فبإمكان تسهيل الحصول على الجنسية ورفع حماية العمال أن يعيد رسم جاذبية السوق الإيطالية في نظر الشباب المغربي.
غير أن المفارقة تكمن في أن حكومة ميلوني رغم معارضتها لتسهيلات الجنسية، تسعى إلى زيادة تأشيرات العمل القانونية، ما يعكس تناقضًا بين خطابها السياسي ومصالح سوق العمل المتعطشة للعمال الأجانب، وبينهم المغاربة.
يبدو الاستفتاء الإيطالي الراهن لحظة كاشفة لمدى نضج النقاش العمومي حول المواطنة والعمل في ظل سياقات الهجرة. أما بالنسبة للمغاربة المقيمين في إيطاليا، فهو امتحان جديد بين واقع هشّ ومواطنة مؤجلة. وفي ظل تحوّلات أوروبا المتسارعة، قد يكون هذا الاستحقاق خطوة أولى نحو إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمهاجر، بين القانون والانتماء، وبين الهوية والحقوق.
تعليقات
0