ميدلت تنقش الذاكرة على الصخر من خلال احتضانها أول ملتقى دولي بالمغرب لفن الفسيفساء

أحمد بيضي السبت 14 يونيو 2025 - 00:18 l عدد الزيارات : 10225

أحمد بيضي

في قلب جبال الأطلس، وتحديدا ب “قصر تمناي”، بإقليم ميدلت، تجري، منذ يوم الخميس 12 يونيو 2025، فعاليات أول ملتقى دولي لفن الفسيفساء في المغرب، تحت شعار: “الذاكرة منقوشة على الصخر”، وهو حدث فني غير مسبوق، يربط بين الجمال والتاريخ، وبين الطبيعة والفن، حيث تتحول الصخور إلى لوحات وأشياء ناطقة بالإبداع، وتتجسد الحكايات الجماعية في لوحات حجرية تنبض بالحياة.

التظاهرة، التي تجري بتمويل واحتضان من طرف “أزا ڤيلاج للسياحة والثقافة والترفيه” بشراكة مع “بريد بنك المواطن”، وتحت إشراف مديرة التظاهرة وصاحبة المشروع الفسيفسائي، فطيمة بنلعلى،  من المبرمج أن تستمر من 12 الى 22 يونيو 2025، وتستضيف العديد من الفنانات والفنانين ينتمون لدول مغاربية ولأخرى مختلفة من العالم، التأم جميعهم في فضاء جبلي لإنجاز لوحاتهم الفسيفسائية بأشكال وفنون مستوحاة من البيئة الطبيعية ورموز الهوية المحلية.

 وكانت قد انطلقت فعاليات الملتقى باستقبال الوفود الفنية، وتقديمهم للمؤسسة المستضيفة، تلاه توزيع البرنامج الرسمي والشارات التعريفية، ثم جولة أولى للورشة الإبداعية التي ستحتضن أعمال الفنانين طيلة أيام الملتقى، قبل الإعلان الرسمي عن افتتاح التظاهرة، يعقبه نشاط ميداني لزيارة المسار الإثنوغرافي لموقع “إيگلدان” الثقافي وافتتاحه، والذي يمثل محورا رمزيا وموضوعيا للأعمال الفنية الجارية.

وتخللت الافتتاح جولة إرشادية في “منتزه طارق دي تيمناي الزراعي البيئي”، جمعت بين علم الجيولوجيا والنباتات، لتختتم بعشاء تعارفي وحفل ترحيبي بين المشاركين، على أن تتوالى الورشات اليومية انطلاقا من الجمعة 13 يونيو، حيث تقرر تخصيص الفترات الصباحية والمسائية للعمل الإبداعي، وتخصيص الأمسيات للقاءات معرفية، مع عرض شرائح إرشادي حول الموقع الثقافي “إيگلدان” ومسار المعرض الإثنوغرافي الخاص به.

وتقرر أن يشمل برنامج التظاهرة العمل على اكتشاف التراث الطبيعي والمعماري للمنطقة، من خلال رحلة ميدانية إلى “سيرك جعفر” لاكتشاف النباتات والحيوانات المحلية، ثم زيارة الموقع الأثري “بوصرف” وممرات “المغارس”، تليها جولة معمارية إلى قرية “توراوت” للتعرف على نماذج البناء الجبلي التقليدي، قبل جلسة طهي مفتوحة يديرها “شيف” من قصر تمناي، حيث سيتم تحضير طبق أمازيغي تقليدي بحضور الفنانين والضيوف.

وفي ذات السياق، تتواصل الأيام الموالية، اليوم السادس والسابع، بانخراط مكثف في الورش الإبداعية المفتوحة، مع تنظيم لقاء بأحد الحرفيين المغاربة المتخصصين في تقنية الفسيفساء التقليدية، ليقدم ورشة عملية للفنانين الدوليين، على أساس إبراز الخصوصية المغربية لهذا الفن، كما يتم فتح الورشة أمام المشاركين والمهتمين لاكتشاف تقنيات الفسيفساء الحديثة، في أجواء من التفاعل المشترك وتبادل الخبرات.

في اليوم الثامن، تخصص الفترة الصباحية لورشة الفسيفساء المغربية بقيادة “معلم محلي”، تعقبها بعد الزوال جولة جديدة، ثم جلسة طهي خاصة يقُدم خلالها طبق حلوى محلية تعتمد على تفاح ميدلت المعروفة وطنيا بهذه الفاكهة وإحدى أبرز رموزها الزراعية، ومن المرتقب تحويل اللقاءات الموازية إلى فسحات تبادل الخبرات والثقافات بغاية إضفاء على الحدث روحا إنسانية فنية حميمية.

ويجري في اليوم التاسع، التحضير الفعلي لعرض الأعمال المنجزة، حيث يباشر الفنانون تثبيت اللوحات الفسيفسائية على الحائط الطبيعي، ضمن تنسيق بصري دقيق يراعي تضاريس الصخور وروح المكان، كما ينجز خلال اليوم ضبط وتنظيف الأعمال الفنية، وتحضير فضاء المعرض المفتوح والأول من نوعه بالمغرب، وغايته ربط هذا الفن بتعزيز التراث المحلي/الوطني ورفع مستوى الوعي حول الحفاظ على الثقافة الأصيلة.

أما اليوم العاشر، فسيشهد الافتتاح الرسمي لموقع “إيگلدان” الثقافي، بآيت عياش، كأول معرض فسيفساء مفتوح في الهواء الطلق بالمغرب، مع عرض الأعمال المنجزة وشهادات الفنانين، إلى جانب معرض موازٍ للوحاتهم الإبداعية، وعقد ندوات علمية وفكرية يشارك فيها باحثون وأكاديميون، من معهد الآثار والتراث بالرباط، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، حول تاريخ الفن والزخرفة والتعبير الثقافي في الفنون التشكيلية والتراث بمنطقة ميدلت.

ومن المقرر أن تختتم فعاليات الملتقى بتقديم شهادات المشاركة تكريما للفنانين، تليها أمسية احتفالية موسيقية غنائية من الفن المحلي بما يجسد تلاقح الثقافات بين ضيوف الملتقى وسكان المنطقة، على أن يبصم الملتقى برؤية فنية جديدة تجعل من الفسيفساء فنا حضاريا، ليس فقط كتقنية زخرفية، بل ذاكرة منقوشة، ولغة صامتة تنطق بالجمال والتاريخ، ومجال للتلاقي الإنساني بين ثقافات العالم.

ولعل ما يضفي على هذه التظاهرة بعدا تاريخيا عميقا، هو كون فن الفسيفساء نفسه يعد شاهدا حضاريا متجذرا في الزمن، حيث انتشر قبل قرون طويلة، حين اعتمد الفنانون عليه في تزيين المساجد والقصور، وفي اللوحات الجدارية المعاصرة والأرضيات والعواميد، وتصدر منتجاتها إلى مختلف دول العالم، وبرغم طغيان الآلة وتطور التكنولوجيا، ظل هذا الفن اليدوي تحفة خالدة تتحدى الزمن، وجمالية متينة يخشى عليها من الاندثار.

يؤرخ فن الفسيفساء للعصور اليونانية، والرومانية، والبيزنطية، والشرقية، ووصولا إلى الحضارة الإسلامية، ويتنوع في مواضيعه بين الأساطير والفلسفة والميثولوجيا والهندسة والزخرفة والطبيعة، ورغم تعاقب الأزمنة، لا يزال هذا الفن حيا في وجدان المغاربة، وخصوصا في المدن العتيقة، حيث يقدر المغاربة هذا الموروث منذ قرون باعتباره مرآة حضارتهم، وروحا متجددة تسكن الحجر وتترجم الذاكرة.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 14 يونيو 2025 - 15:15

هل يمنحنا عيد الأضحى هذه السنة فرصة لمراجعة سلوكياتنا المدنية؟

السبت 14 يونيو 2025 - 14:02

نتيجة الباك الأشهر على مواقع التواصل الاجتماعي.. تثير الجدل وتكشف اختلالات منظومة التقويم

السبت 14 يونيو 2025 - 14:01

انتخاب فاضل براس كاتبا إقليميا لحزب الاتحاد الاشتراكي ببني ملال

السبت 14 يونيو 2025 - 13:27

موجة حر من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة

error: