في زمن تزداد فيه الحاجة إلى الوضوح السياسي والموقف الوطني المسؤول، وفي سياق إقليمي ودولي مطبوع بالتحولات العميقة والمخاطر المتشابكة، يأتي صوت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من بني ملال، صريحاً، عميقاً، ومسؤولاً، على لسان الكاتب الأول إدريس لشكر، ليعيد الاعتبار للعمل السياسي الجاد، ويعيد توجيه البوصلة نحو القضايا الكبرى التي تعني الوطن والمواطن.
من قلب الجغرافيا العميقة، من بني ملال، حيث تلتقي معاناة الهامش بإرادة البناء، وحيث يترجم الالتزام الحزبي بالمسؤولية الميدانية، أطلق الكاتب الأول نداءً صريحاً لتخليق الممارسة السياسية باعتبارها مدخلاً ضرورياً للتنمية المجالية المستدامة. فلا يمكن بناء وطن قوي بمجتمع متراخٍ، ولا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون نخبة سياسية متخلقة، مؤمنة بقدسية المصلحة العامة، متشبثة بثوابت الأمة، وفي مقدمتها وحدة الوطن وسلامة ترابه.
لقد وضع الاتحاد الاشتراكي يده على الجرح الوطني، حين ربط بين ذكرى المسيرة الخضراء، التي نستعد لتخليد “يوبيلها” الذهبي، وبين استمرار الاستفزازات المتكررة لنظام الجوار، الذي جعل من العداء للمغرب عقيدة دبلوماسية ومبررًا لشرعية داخلية مهزوزة. غير أن المغرب، كما شدد الكاتب الأول، واجه هذه المناورات بلغة العقل أحيانًا، وبقوة الردع أحيانًا أخرى، وبلغة الدبلوماسية الذكية في كل الأوقات، حتى باتت عدالة قضيته تفرض نفسها داخل المؤسسات الدولية، وتحظى بتأييد صريح من الأغلبية الساحقة من دول العالم.
نعم، نأمل أن يصدر مجلس الأمن في أكتوبر المقبل قراراً واضحاً يقطع مع هذا النزاع المفتعل، ونطالب بسحب هذا الملف من اللجنة الرابعة، لأن قضية الصحراء المغربية ليست استعماراً للتصفية، بل استكمالا لوحدة وطنية يؤمن بها جماهير الشعب من طنجة إلى الكويرة.
وفي المقابل، لا يغفل الاتحاد الاشتراكي وهو يخوض معركة السيادة، أن السيادة لا تكتمل بدون الدفاع عن كرامة المواطن، وأن حماية المؤسسات تكون بضمان أدائها الفعلي والتصدي لكل محاولات إفراغها من محتواها التمثيلي والأخلاقي. ولهذا فإن الدفاع عن المقدسات لا يتعارض أبداً مع نقد السياسات العمومية، بل إن هذا النقد من صميم الانتماء الوطني، شرط أن يصدر من داخل المؤسسات وبالنية الصافية التي تريد الإصلاح لا التخريب.
لقد كانت إشارة الكاتب الأول إلى تجربة المعارضة الهندية التي حضرت مؤتمر التحالف الدولي في نيودلهي، رغم موقعها خارج السلطة، إشارة ذكية إلى ما ينبغي أن يكون عليه حال المعارضة الوطنية: نختلف في الرؤية، نعم، ولكن لا نساوم في الوطن. ننتقد التدبير، نعم، لكن لا نطعن في المؤسسات. نقاوم الظلم الاجتماعي، ولكن لا نقبل أبداً أن نكون أدوات في يد خصوم هذا البلد.
الاتحاد الاشتراكي، وهو يطلق ديناميته التنظيمية من جديد، لا ينطلق من فراغ ولا يبحث عن موقع انتخابي فقط، بل يعيد بناء الذات الحزبية على قاعدة المشروع الوطني الاتحادي، الذي ظل منذ نشأته حاملاً لهموم الوطن، مدافعاً عن الفقراء، مناضلاً من أجل الدولة الديمقراطية الاجتماعية، التي تحفظ سيادة القرار، وكرامة الإنسان، وعدالة التوزيع.
إن اللحظة اليوم تتطلب شجاعة سياسية حقيقية. تتطلب إعادة الاعتبار للسياسة النبيلة، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. وتتطلب، قبل هذا وذاك، أن تكون الأحزاب صوت المواطن لا صدى للسلطة، أن تكون قوة اقتراح لا آلة انتخاب، وأن يكون السياسي طليعة لا تابعاً.
في بني ملال، قال الاتحاد كلمته. فهل من يصغي؟
تعليقات
0