احتفاء استثنائي في بني ملال بالناشطة النسائية، سامية المراني، ومسارها المدني والتربوي والحقوقي

أحمد بيضي

في جو مفعم بالعرفان والاحتفاء، بادرت “جمعية الانطلاقة للتنمية والبيئة والثقافة” إلى صنع واحدة من أجمل لحظات الاعتراف ، من خلال حفل تكريمي بهيج للفاعلة المدنية والناشطة النسائية، ذة. سامية المراني، مساء الجمعة 13 يونيو 2025، بمركز الأشجار العالية ببني ملال، ضمن فعاليات النسخة الثانية من برنامج “مدرسة التفكير النقدي”، حيث التأم في هذه المناسبة أكثر من 85 فردا، احتفاء بمسار امرأة استثنائية، قدمت الكثير في مسيرة امتدت لثلاثة عقود من العطاء المدني والتربوي والحقوقي، وأثبتت خلالها أن الالتزام الحقيقي لا يقاس بالمدة، بل بما تتركه التجارب من بصمات حية في قلب الإنسان والمجتمع.

وتخللت هذه الأمسية، عرض شريط يحكي مسار المحتفى بها، ذة. سامية، بمشاهد وومضات مؤثرة عكست نضالها الطويل في مجال الدفاع عن حقوق النساء وتمكينهن، وتفانيها داخل فضاء التعليم، ووفائها لقيم المواطنة والانتماء، ومن خلال لمحة عن مسارها داخل جمعية “إنصات  لمناهضة العنف ضد النساء” ببني ملال، ظهر جليا للجميع كيف شكلت هذه المرأة صوتا مؤثرا في قضايا النساء، وخطّت لنفسها حضورا قويا ومتميزا وسط وجوه العمل الجمعوي الجاد على صعيد الجهة، دون إغفال ما قدمته كعضوة سابقة ب “اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان” في سبيل حماية حقوق الإنسان عموما، النساء خصوصا، والنهوض بها في السياقات الوطنية.

الاحتفاء بالفاعلة المدنية المعنية بالأمر لم يكن فقط تكريما فرديا، بل لحظة إشعاع جماعي، شارك فيها شباب “مدرسة التفكير النقدي” الذين تسلموا شهاداتهم في نفس الأمسية، وعددهم 25 شابة وشابا، عبروا بدورهم عن تجاربهم داخل هذا الفضاء التكويني الذي يراهن على تأهيل جيل قادر على التفكير والتحليل والانخراط الفاعل في الحياة العامة، وقد تنوعت مداخلاتهم بين شهادات شخصية وقراءات نقدية لأهم القضايا الراهنة، في مشهد يعكس التفاعل الحيوي بين الأجيال، ويجسد الدور التربوي المستمر للأستاذة سامية المراني داخل أسوار المؤسسة التعليمية وخارجها على امتداد المجتمع العام.

من موقعها كأستاذة للتاريخ والجغرافيا بثانوية موحى وحمو، ومن خلال مساهماتها في أندية القراءة والسينما وحقوق الإنسان، تركت ذة. سامية بصمتها في نفوس أجيال من التلاميذ، الذين تعلموا منها حب المعرفة وشغف القضايا الإنسانية، ولم يكن للتقاعد من العمل التعليمي أن يحد من دورة رسالتها، بل تحول إلى انطلاقة جديدة في مسار أكثر انخراطًا في الشأن العام، خاصة من خلال جمعية متقاعدي التعليم ونادي “أنوار داي” السينمائي، حيث لا تزال مستمرة في عطائها برشاقة فكرية وإنسانية، يتخللها حب للفنون، واهتمام بالأدب والقراءة، وشغف خاص بالسينما والمسرح والتشكيل علاوة على فن الطبخ والحلويات.

لم يمر تكريم ذة. سامية المراني في لحظة احتفالية عابرة، بل كان رسالة قوية مفادها أن الاعتراف بالجميل فضيلة يجب أن تتأصل في ثقافتنا المجتمعية، وأن النساء الرائدات هن ذاكرة حية، يستحقن أن يروى مسارهن بكل فخر أمام الأجيال الصاعدة، فبصوتها الهادئ، وجرأتها في الموقف، وتواضعها الرفيع، تقدم ذة. سامية نموذجا لامرأة اختارت أن تكون في قلب المعركة من أجل الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وأن تجعل من الوعي والصمود أداة لمقاومة العنف بشتى أشكاله والعادات المعيقة لسمو النوع الاجتماعي، ومن الكلمة جسرا للترافع في مجال الدفاع عن حقوق المرأة جهويا ووطنيا.

لقد نجحت جمعية الانطلاقة، بشراكة مع جمعية إنصات ودار النشرEn toutes lettres ، من خلال هذا الحفل البهي، في تحويل فعل التكريم إلى لحظة تربوية وحقوقية، وقد شكل حضور فعاليات من المجتمع المدني، ووجوه أكاديمية وفنية وإعلامية، عنصرا إضافيا من التقدير، حيث تفاعل الجميع مع لحظات التكريم بصدق ودفء، فيما عبرت العديد من المتدخلات والمتدخلين عن تقديرهم العميق للمحتفى بها، ذة. سامية، مستحضرين خصالها الإنسانية، وحنكتها التواصلية، ووفاءها لكل ما آمنت به منذ كانت يافعة متشبعة بقيم الوطنية داخل أسرة مقاومة، إلى أن أصبحت نموذجا للمرأة المغربية المتواضعة والمثقفة والمناضلة والفاعلة المدنية.