مهرجان موازين 2025: انطلاقة الدورة العشرين في أجواء من الحماسة والتأثر والفخر المغربي

منذ التاسع عشر من يونيو، تعيش مدينتا الرباط وسلا على إيقاع الموسيقى والفن والفرح الجماعي. فقد دشّن مهرجان موازين – إيقاعات العالم دورته العشرين بسهرات افتتاحية بهيجة، جمعت بين الرقي الفني، والانخراط الشعبي، والاحتفاء بالمشهد الموسيقي المغربي. دورة استثنائية بكل المقاييس، تحتفي بعشرين سنة من التألق، وتعكس المكانة التي أضحى يحتلها هذا الموعد الثقافي على الصعيدين الوطني والدولي.

افتتاح على وقع الشعر والعاطفة… ثم الانفجار الشعبي

في مساء الخميس 19 يونيو، كان جمهور المسرح الوطني محمد الخامس على موعد مع المطربة المصرية المتألقة كارمن سليمان، التي أطلقت فعاليات المهرجان من قلب هذا الصرح الفني المهيب. بصوتها النقي والعميق، قادت الحضور في رحلة موسيقية آسرة، جمعت بين الكلاسيكيات المعاد توزيعها ونفحات العصر الحديث، في سهرة مفعمة بالرهافة والإحساس والسمو.

وفي اليوم التالي، الجمعة 20 يونيو، تحوّل شاطئ سلا إلى مسرح جماهيري ضخم غصّ بعشاق الفن الشعبي. ألهب الشاب حمزة الصنهاجي الأجواء منذ اللحظات الأولى، بمزيج من الشعبي العصري المتجدد والإيقاعات الراقصة المتواصلة. تلاه الفنان عادل المذكوري، الذي خاطب الجمهور بكلمات صادقة وأنغام حضرية معاصرة، ليلامس مشاعر الحاضرين بصدق وبساطة. ثم اختتم السهرة الفنان الكبير حجيب، أحد أبرز أعلام فن العيطة، الذي قدّم عرضًا استثنائيًا بطابعه الفريد وصوته الجهوري وحضوره الآسر. لحظة من التفاعل الخالص بينه وبين الجمهور، تجسدت فيها معاني الارتباط العاطفي والتاريخي بهذا اللون الفني الأصيل. كانت ليلة افتتاح مفعمة بالقوة، والشعبية، والتنوع العمري والثقافي – تمامًا كروح المهرجان.

عروض متنوعة على مختلف المنصات… وإيقاعات من كل الآفاق

تألقت أيضًا بقية المنصات في ليلة الجمعة بعروض فنية استثنائية. ففي منصة السويسي، قدّم Afrojack عرضًا إلكترونيًا حماسيًا، حبس أنفاس الجماهير بإيقاعه السريع وتوزيعاته النارية التي أشعلت المكان بحالة من النشوة الجماعية. أما في فضاء النهضة، فقد أبهرت النجمة المصرية روبي الجمهور بعرض جريء ومليء بالحيوية، جمعت فيه بين الحضور المسرحي الجذاب وأشهر أغانيها التي أصبحت علامات فارقة في الموسيقى المعاصرة. وعلى ضفاف نهر أبي رقراق، سافر الجمهور مع الأسطورة الجامايكية Burning Spear في أجواء من الروحانية والعمق، من خلال ريغي صوفي مليء بالمعاني، غمر الساحة بحالة وجدانية جماعية. وفي المسرح الوطني محمد الخامس، أبدع الفنان وائل جسّار في تقديم حفل راقٍ اتسم بالأناقة والرقي، جمع فيه بين النغمات الحالمة والانفعالات العاطفية، ضمن مدرسة الطرب الرومانسي الأصيل. كانت ليلة جمعت خمس منصات، وخمس تجارب موسيقية متميزة، ومشاعر موحدة في حضرة الفن الرفيع.

الفنانون المغاربة في قلب الإيقاع والاحتفاء

تشكل الدورة العشرون لمهرجان موازين تحيةً فنية خالصة للمشهد الموسيقي المغربي، بكل تنوعه وثرائه. فمنصة سلا تحتضن على مدى الأسبوع مجموعة من الأسماء التي تُجسد نبض الشارع المغربي وهمومه، من بينها: لازارو الذي يقدّم بالادات ترابية حساسة، سليم كرافاطا بطابعه الجريء والمختلف، إضافة إلى منعم سليماني، زكرياء الغافولي، نادية العروسي، كوثر براني، رشيدة طلال، علي صامد، 7-Toune، وأيقونة الأغنية المغربية الحرة نجاة اعتابو، التي تختزل في كل أغنية من أغانيها صرخة مجتمع وسردًا لتجارب وطن. هؤلاء الفنانون يجسدون مغربًا مبدعًا، حرًا، أصيلًا، ومتجددًا، ويعتلون أكبر منصة موسيقية في المملكة بطاقة متجددة وتفاعل استثنائي من الجمهور.

برمجة دولية حافلة بالأسماء اللامعة

فيما يتعلق بالبرمجة الدولية، يظل مهرجان موازين وفيًا لوعوده بتقديم الأفضل، محافظًا على مكانته كمنصة عالمية للفن والإبداع. في منصة السويسي، تتوالى الأسماء الكبرى: Will Smith، 50 Cent، Kid Cudi، Afrojack، Lil Baby، Lost Frequencies، aespa… كل عرض يُعد حدثًا فنيًا قائمًا بذاته، وكل ليلة تحوّل المنصة إلى ساحة من الحماسة الجماهيرية.

أما فضاء النهضة، فيستعيد وهج الأغنية العربية عبر نجومها الكبار: نانسي عجرم، كاظم الساهر، محمد حماقي، راغب علامة، ديانا حداد، شذى حسون، ويسرا سعوف… أصوات تخاطب الوجدان بمختلف تنوعاته، وتجمع الأجيال حول مشاعر مشتركة.

وفي موقع شالة الأثري، يلتقي العالم الموسيقي في فضاء من السحر والتراث، عبر عروض فنية تقدمها فرق وفنانون من مختلف الثقافات، أمثال: Egyptian Project، Angélica López، The Snake Charmer، Luis Salazar، سكينة فحصي، وBanista، الذين يمزجون بين الموسيقى الفولكلورية، والشعر، والإيقاعات القبلية، في عروض غامرة تعانق الروح.

موازين… احتفاء حي بالتنوع والانفتاح

لقد أرسى مهرجان موازين، على مدار أكثر من عشرين سنة، تقليدًا ثقافيًا قل نظيره، جمع فيه ملايين المتابعين حول الموسيقى بمختلف أنماطها وتعبيراتها. فـ 90% من حفلاته مجانية، ومنصاته مفتوحة أمام كل أشكال الإبداع الفني، ومساءاته مصمّمة بعناية كاحتفال جماعي مشترك، يكرّس التعدد والانفتاح.

ولا تكتفي الدورة العشرون بالاحتفال بما مضى، بل تجسد الحاضر الثقافي المتحرّر للمغرب، وتستشرف مستقبلًا واعدًا لمهرجان يُجدد روحه باستمرار. إنه مهرجان شعبي، احتفالي، طموح، يربط الأجيال، ويجمع بين الجهات، ويمنح الخيال فضاءه الرحب.

وحتى الثامن والعشرين من يونيو، ستستمر مدينتا الرباط وسلا في احتضان أعظم الأصوات من المغرب، والعالم العربي، والمشهد العالمي. الموسيقى مستمرة، الجمهور يرافقها، والمغرب يزداد إشعاعًا.