عقدت لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، الثلاثاء 24 يونيو 2025، اجتماعا بطلب من الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، خُصص لمناقشة التأخر الحاصل في تنفيذ الإصلاح الشمولي والمندمج لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، والمدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، عبد اللطيف زغنون.
وفي مداخلته خلال الاجتماع، شدد النائب البرلماني الحسن لشكر باسم الفريق الاشتراكي على أن تأخر تنزيل الإصلاح يطرح تساؤلات عميقة حول الجدوى الزمنية، والكلفة المالية، والمردودية الاقتصادية والاجتماعية لقطاع استراتيجي يضم 57 هيئة، تمثل أصولها 80% من إجمالي أصول المؤسسات والمقاولات العمومية، وتُسهم بنسبة 67% في رقم معاملات القطاع.
وسجل لشكر ضعف الأجندة الزمنية للإصلاح، وتعثر إصدار النصوص التشريعية والتنظيمية، وفشل الحكومة في تحويل أي مؤسسة عمومية إلى شركة مساهمة، أو تصفية عدد كاف من المؤسسات غير الفعالة. كما عبّر عن قلقه من غياب معايير الشفافية والاستحقاق في تعيين المتصرفين المستقلين، وضعف تمثيلية النساء في أجهزة الحكامة.
وأبرز الفريق أن انخراطه في هذا الورش ليس ظرفيا ولا سياسويا، بل يندرج ضمن التزام مبدئي نابع من مرجعية الاتحاد الاشتراكي، ومواقفه الثابتة من ضرورة إصلاح القطاع العام باعتباره ركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. كما دعا الحكومة إلى استكمال الترسانة القانونية ذات الصلة، وتسريع وتيرة الإصلاح، وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وسجل الحسن لشكر، أن “اهتمامنا بالمؤسسات والمقاولات العمومية، ليس صدفة، ولا ترفا فكريا، ولا رَدَة فعل في سياق نقاش سياسي مرحلي، بل هو جزء لا يتجزأ من فلسفة وأدبيات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وركن أساس في مواقف فريقيه بالبرلمان؛ وأدعوكم في هذا الإطار إلى الاطلاع على الوثائق والمذكرات التي أعددناها في السنوات الأخيرة، سواء بمناسبة الإصلاحات الدستورية أو البرامج الانتخابية أو المحطات التنظيمية للحزب، أو المناظرة الوطنية للجبايات، أو النموذج التنموي الجديد، أو خلاصات أزمة الجائحة أو مقترحات هذه اللجنة من أجل إصلاح القطاع العام، أو التعديلات المرتقبة للقانون التنظيمي لقانون المالية، وغيرها من المساهمات والمواقف التي تَقَدمنا بها لإغناء النقاش العمومي وتجويد النصوص القانونية؛ لتتأكدوا من تباث موقفنا، ومن حرصنا على جعل القطاع العام من أولويات التغيير، خاصة ما تعلق بقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، باعتباره مدخلا أساسيا لإصلاح شامل وعميق يهم الإطار القانوني و الحكامة و العلاقة المالية مع الدولة، وآثار كل ذلك على النمو الاقتصادي والتنمية البشرية والموازنة المالية والشغل والحد من التفاوتات في كل أبعادها.”
وأكد الحسن لشكر، أن إيقاع تعاطي الحكومة مع هذا الورش يلخص منظورها لمقاربة الإصلاح والتي تفتقد في جزء كبير منها لتقدير “الزمن” كعامل محدد، وإلى الجرأة السياسية وإلى المبادرة باتخاذ القرارات اللازمة خارج الحسابات السياسية المرتبطة بالانتخابات، واستحضار مصالح بلادنا العليا وإكراهات ماليتنا العمومية وضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي. وبنهجكم هذا، فإنكم تَزيدون من كلفة الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها المغرب، لأن كلفة التأخير ستصبح أكبر من كلفة التغيير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فإلى أين أنتم بنا ذاهبون؟ يتساءل لشكر.
وأشار إلى أن الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، غير قادرة لوحدها على تجسيد الإصلاح والذهاب بعيدا في مخططاتها، إذا لم تكن مُسندة إلى سياسة حكومية واضحة المعالم: تؤطر عمل القطاعات الوزارية التي تدخل بعض مكونات محفظة الوكالة تحت وصايتها، وتحدد أجندة زمنية مُتعاقد حولها من أجل إنجاز مختلف المراحل، وترفع إيقاع بلورة النصوص التشريعية والتنظيمية المضمنة في القانون الإطار أو التي قد تفرضها ضرورة الإصلاح. مؤكدا أن واجب التشريع يقع على عاتق الحكومة وعليها أن تتحمل مسؤوليتها في استكمال الترسانة القانونية، وإخراج النصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة لعمليات التحول المؤسساتي وإحداث الأقطاب وتحسين الأداء والمراقبة وتطوير منظومة التعاقد والتصفية…وغيرها، والسهر على حسن تنفيذ السياسة المساهماتية للدولة بالجرأة والمسؤولية اللازمتين.
وفي تفاعله مع عرضي الوزيرة والمدير العام، ذكّر الفريق الاشتراكي بأن مسار إصلاح القطاع العام لا يُختزل في الولاية الحكومية الحالية، بل يعود إلى دينامية أطلقتها حكومة التناوب منذ مطلع الألفية، وتواصلت عبر تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والتوجيهات الملكية المتتالية منذ 2018، وخاصة خطاب العرش لسنة 2020، الذي شكل منعطفًا في رسم معالم هذا الورش الاستراتيجي.
وفي ختام مداخلته، أكد الفريق الاشتراكي أن البرلمان شريك أساسي في هذا الورش الإصلاحي، وأن المعارضة الاتحادية تواصل تحمل مسؤوليتها الكاملة في الرقابة والتقييم واقتراح البدائل، في انسجام مع دستور المملكة وروح المواطنة المسؤولة. مؤكدا أن التحولات التي يعرفها الاقتصاد الوطني، في ارتباط دقيق بمناخ المال والأعمال، والتحديات الجديدة التي افرزتها جائحة كوفيد-19، والارتفاع المضطرد للنفقات، مقابل الموارد العادية للخزينة، ومخاطر مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، قد فرضت وعيا جماعيا بضرورة مراجعة شاملة لهذا القطاع، ومعالجة سريعة للاختلالات الهيكلية التي تحول دون تطوره، سواء في الجانب القانوني والمؤسساتي، أو في القيادة الاستراتيجية والحكامة، أو في العلاقة المالية مع الدولة.
تعليقات
0