أحمد بيضي
تشهد بعض المواقع الغابوية بالأطلس المتوسط، بين الفينة والأخرى، حالة من الاستياء المتزايد في صفوف النشطاء البيئيين والحقوقيين، كلما تفجرت قضية استنزاف أشجار الأرز التي تعد من الثروات الطبيعية بالمغرب، فيما تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي صورا ونداءات بشأن عمليات قطع ممنهجة لأشجار الأرز، ما يثير موجات غضب وسط جمعيات المجتمع المدني المعنية بحماية البيئة، والتي تدق ناقوس الخطر بشأن ما تصفه بـ “النهب الغابوي المنظم” من طرف ما يوصف ب “مافيات الغابات”.
في قلب هذا الجدل، برزت “التقسيمة الغابوية (البرسيلة) رقم 203″، الواقعة على الحدود بين إقليمي خنيفرة وإفران، كنموذج حي على ما اعتبره المتتبعون “مجزرة بيئية موصوفة”، حيث سجلت مصادرنا “سقوط عدد كبير من أشجار الأرز الأطلسي بهذه المنطقة”، في عمليات قطع احترافية جرت دون أي تخوف أو رادع، مما زاد من حجم الشكوك حول غياب الحراسة والتدبير أو حتى التحديد الإداري الدقيق لنفوذها الترابي، فقد وقع خلاف بين مديرية المياه والغابات بخنيفرة ونظيرتها بإفران، من خلال تنصل كل جهة من مسؤوليتها.
وتفيد بعض المعطيات أن الأشجار المقطوعة كانت موسومة بمطرقة الدولة، ما يشير إلى منحها سابقا لإحدى التعاونيات تحت إشراف مديرية خنيفرة، إضافة إلى محاضر غابوية تعود لسنتين مضتا، وتعزز هذا المعطى بقرار صادر عن المديرية الجهوية بمكناس (التي كانت تتبع لها مديرية خنيفرة) ينص على إسناد تدبير التقسيمة المتنازع عليها إلى مديرية خنيفرة مؤقتا، إلى حين البت في مصيرها من طرف لجنة مركزية، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن القرار لم يُفعل على أرض الواقع، مما جعل من المنطقة “منطقة عازلة” بلا حراسة أو متابعة.
الوضع الذي استغلته شبكات التهريب الغابوي كمجال خصب لتحركاتها، أسفر عن قطع وتهريب عشرات الأشجار من الأرز الأطلسي، في غياب تام لأي مبادرة لتسليم التقسيمة إلى تعاونيات محلية تتكفل بحمايتها، أو اتخاذ تدابير استعجالية للحد من هذا النزيف البيئي المتواصل، وأمام تفاقم الوضع، سارعت الوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى إيفاد لجنة من المفتشية العامة قامت بزيارة ميدانية استغرقت يومي 18 و19 يونيو 2025، ووقفت خلالها على آثار الخراب البيئي، قبل الشروع في تحقيقات تسعى إلى تحديد المسؤوليات.
ومن خلال المعطيات المتقاطعة، يبدو أن مديرية خنيفرة حاولت دفع المسؤولية عنها، رغم اعتراف أحد مهندسيها بوجود القرار الجهوي ضمن أرشيف المديرية، الأمر الذي يعزز احتمال مسؤوليتها المباشرة عن التقسيمة في الفترات السابقة، لكن لاحقا، جرى الإعلان عن ضم هذه الأخيرة إلى نفوذ مديرية إفران، في سياق عملية ترسيم الحدود الترابية بناء على مرسوم وزاري، مما يفتح باب التساؤلات حول مصير المحاضر السابقة، والمسؤول عن إغفال حماية هذه الثروة الوطنية من مسؤولياتها التدبيرية بعيدا عن منطق “عفا الله على ما سلف”.
ويبقى هذا الملف، بكل تعقيداته وحجم الأضرار التي ألحقها بالنظام الغابوي المحلي، شاهدا صارخا على اختلالات جسيمة في تدبير الشأن الغابوي، وضرورة فتح تحقيقات شاملة وشفافة تروم تحديد المسؤوليات الفعلية وترتيب الجزاءات، سواء على مستوى التسيير أو المراقبة، لضمان عدم تكرار مثل هذه القضايا الغابوية، علما أن منطقتي إفران وخنيفرة تشتهران بثروة غابوية واسعة وهامة، خاصة أشجار الأرز، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة بسبب الاستنزاف الأرزي وتهريب الأخشاب.
تعليقات
0