أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، اليوم الأربعاء بالرباط، أن الحوار بين المحاكم ضرورة ملحة ومسؤولية مشتركة في عالم تواجه فيه المحاكم العليا رهانات معقدة من قبيل الذكاء الاصطناعي، وأزمة المناخ، والهجرة، والأخلاقيات البيولوجية.
وأكد السيد عبد النباوي، خلال افتتاح المؤتمر الثامن لجمعية المحاكم العليا التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية، المنعقد تحت شعار “المحكمة العليا المثالية”، أن “هذا الحوار مسؤولية أخلاقية، ووسيلة لإحياء القيم الكونية دون إنكار هوياتنا القانونية والثقافية”.
واعتبر أن “التفكير في المحكمة العليا المثالية لا يعني بناء خيال مجرد، بل إلقاء نظرة واضحة ودقيقة وجريئة على مهمتنا في إصدار الأحكام. فالأمر يتعلق بمساءلة مبادئنا وأساليبنا وقدرتنا على تجسيد العدالة، وإلهامها، وإحيائها في عالم سريع التغير”.
وأشار، في هذا السياق، إلى أن “التفكير في محكمة عليا مثالية يعني بناء مرجعية ثابتة في عالم غير مستقر، ليس فقط من خلال الدقة التقنية للقانون، بل من خلال الثقة التي يغرسها، عبر الجمع بين الأخلاق والانفتاح والقدرة على التكيف”.
وهذا الأمر يستلزم طرح عدة أسئلة جوهرية؛ وهي: كيف يمكن ضمان الاستقلال الحقيقي في الممارسة والقانون؟ كيف يمكن التوفيق بين الاستقلال المؤسسي والمساءلة الديمقراطية؟ كيف يمكن جعل قراراتنا أكثر شفافية ويسرا واستيعابا بالنسبة للمواطن؟ وكيف يمكن دمج التقنيات الناشئة دون تشويه إنسانية القانون؟
وأشاد السيد عبد النباوي، بهذه المناسبة، بالعمل الذي تنجزه شبكة جمعية المحاكم العليا المتقاسمة لاستعمال اللغة الفرنسية، والتي تلتزم محاكمها الأعضاء، كل في سياقها الخاص، بمقتضيات استقلالية القضاء، وجودة الاجتهاد القضائي، والانفتاح على الواقع الاجتماعي، وتثقيف الجمهور في مجال القانون.
ولفت إلى أن قوة هذه الشبكة تكمن في قدرتها على تعزيز الحوار بين التقاليد، وتعاضد الخبرات، وتعزيز نظام قضائي متجذر في مبادئه، ومنفتح في الآن ذاته على تحديات عصره.
وفي معرض حديثه عن اختيار موضوع هذا المؤتمر الثامن، أوضح السيد عبد النباوي أنه يمثل تتويجا لمسار جماعي استند إلى عدة لقاءات تحضيرية ومناقشات معمقة واجتماعات بين المحاكم الأعضاء، مسجلا أنه “يستجيب لحاجة مشتركة؛ وهي التفكير معا في ما ينبغي أن تجسده سلطة قضائية عليا في مجتمعاتنا الحديثة”.
من جهته، قال الرئيس الأول للمحكمة العليا في بنين، رئيس جمعية المحاكم العليا التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية، فيكتور داسي أدوسو، إن هذا المؤتمر الثامن للجمعية، المنعقد تحت شعار التأمل الجماعي والالتزام المشترك، هو نتاج ممارسة أكاديمية وضرورة ديمقراطية واستشرافية.
وأضاف أن “ما ينبغي أن تكون عليه المحكمة العليا المثالية هو محكمة تضمن الحقوق، وركيزة أساسية في النظام القضائي، واجتهاد قانوني مرجعي”، داعيا إلى تضافر الجهود والالتزام الجماعي خلال هذه الفترة التي تشهد تزايد مطالب المواطنين بالعدالة وعولمة القانون.
من جانبها، أكدت ممثلة المنظمة الدولية للفرنكوفونية لمنطقة شمال إفريقيا، حواء أصيل، على أهمية استقلال القضاء في الفضاء الفرنكوفوني، مشيرة إلى أنه يشكل ركيزة أساسية للحكامة الديمقراطية.
واعتبرت أن هذا العمل، الذي يمثل ثمرة تفكير أجرته مختلف الهيئات الفرنكوفونية، يعكس إرادة مشتركة لضمان عدالة مستقلة ومنصفة للجميع، لافتة إلى أن هذه “الدراسة القطاعية”، التي أجرتها الشبكة الفرنكوفونية للمجالس القضائية، تقدم لمحة عامة عن الأدوات المعيارية والممارسات في مجال استقلال القضاء، مع التركيز بشكل خاص على المجالس القضائية العليا.
ويشارك في هذا المؤتمر، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية 4 يوليوز الجاري، أكثر من ثلاثين بلدا من أجل مناقشة قضايا تتعلق بهياكل الجمعية، بالإضافة إلى برمجة زيارات استكشافية للوفود المشاركة.
تعليقات
0