يسرا سراج الدين
“ترتكز التعويضات العائلية على مبدأ المساعدة الاجتماعية”، أول جملة تقع عليها عينك عند تفحصك للموقع الرسمي للضمان الإجتماعي بالإنترنيت، وحدها هذه الجملة تضعك في غرفة آمنة وتجعلك مطمئن البال على أسرتك الصغيرة داخلها، لإعتقادك أن المساعدة الإجتماعية هي المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه “التعويضات العائلية”.
إلا أن نافذة تلك الغرفة تطل على غرفة أخرى موحشة… عنوانها “لا يحق لكم الإستفادة من التعويضات العائلية عن ابنكم لكونه ازداد بعد بلوغكم الـ 60 سنة بأكثر من 300 يوم”، عنوان كتبه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، كرد على مراسلة متقاعد أراد أن يستفيد إبنه من حقوقه التي يتمتع بها باقي أبناء المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، إلا أنه تفاجئ بخيبة أمل كبيرة جعلته يقارن مابين الجملتين، الأولى التي تفتح بابا للأمل والثانية التي تغلقه، لتخلق تناقضا صارخا يدفع هذا المتقاعد إلى التساؤل؟ “كيف لمبدأ المساعدة الإجتماعية أن يتنصل من مساعدة رجل طرق بابا اعتبره حقا من حقوقه؟”.
بوسلامة عبد القادر سبعيني متقاعد، توفيت زوجته الأولى فأراد ان يجدد ما أحله له الشرع والقانون، لكن لم يخطر بباله أن للسن عوائق خلقها قانون لا يعترف بإستمرار الحياة ما بعد الستين، الشيء الذي جعله سعيدا بإنجابه لإبنه الذي حرم من تعويض صندوق الضمان الإجتماعي، لأن والده أذنب عندما فكر في استقباله لطفل وهو في سن يعتبرها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أشواطا إضافية.
مرارة الرد دفعت بهذا الكهل وهو أب لطفل بلغ العشرة سنوات لم يستفد طيلتها من التعويضات الشهرية المتمثلة في 300 درهما (200 درهم قبل الزيادة)، إلى طرق مختلف الأبواب دون تذمر أو وهن وكلل، من أجل إجاد حل لفرحته التي أضحت معضلة، هذه الأخيرة قد يعتبرها البعض مشكلا بسيطا لا يتجاوز ال300 درهم، ويمكنه الاستغناء عنها، إلا أن الوضع بعد التقاعد يجعل بعض الأشخاص في حاجة إلى كل باب رزق يفتح أمامهم وإن كان قليلا لما قد تصادفهم من إكراهات كثيرة ومصاريف أكثر في مقابل راتب هزيل تجرد من ملابسه الأساسية، والأهم أن هذا حق طفل يسري عليه ما يسري على باقي أبناء المنخرطين.
ورغم خيبات الأمل التي صادفت محاولات بوسلامة ومراسلاته منذ سنين لنيل مبتغاه، والوضعية النفسية الصعبة التي يعيشها، إلا أن شمعة أمله لم تنطفئ بعد، إذ يطالب بالتدخل لتعديل “الفصل 33 مكرر الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 1993″، مؤكدا أن هذا القانون أصبح متجاوزا ولا يلبي حاجيات المتقاعد العامل خاصة في الشق المتعلق بالتعويض العائلي عن الأبناء، دون المراعات للظروف الإقتصادية والإجتماعية التي أصبحت صعبة.
فعند إصلاح الحكومة لنظام التقاعد، لم تأخذ بعين الاعتبار أو تلتفت للشق المتعلق بالتعويض العائلي عن الأبناء بعد الإحالة على التقاعد، فهل كان ذلك عن سهو وغفلة؟ أم لا مبالات منها لوضع المتقاعد باعتباره قلم جف حبره ؟ أم أن الحكومة لم تضع في حسبانها أن الحياة تستمر بعد الستين وأن الزواج والإنجاب غير ملتزمين بفترة محددة ؟.
إن الحرية الشخصية في إنجاب الأطفال، متى ما رغب المرء في ذلك، مسألة لا نقاش فيها، ومن البديهي أن توفر الدولة ظروفا تجعل من تكوين أسرة في النصف الثاني من العمر شيئا منطقيا ومعقولا، وأن لا تضع عوائق أمام من هم في وضعية “بوسلامة”، هذا الأخير الذي ماهو إلا نموذج عن فئة عريضة منهم من دق الأبواب و اكتفى بأول رد سلبي ومنهم من ترفع عن المطالبة بحقوقه تجنبا للقيل والقال والنقد وغيرهم ممن لم يكن بيدهم حيلة …، لأن الأبوة المتأخرة لازالت تثير جدلا واسعا، ولهذا يجب على الحكومة أن تتدخل لوضع قوانين في هذا الإطار، وأن تعيد النظر في حرمان المتقاعدين الذين أنجبو بعد إحالتهم إلى التقاعد بثمانية أشهر من الاستفادة من التعويضات العائلية عن الأبناء، لأنها إن لم تفعل ستساعد في تعبيد الطريق لهم نحو النسيان، ليعتبروا أنفسهم مادة منتهية الصلاحية.
تعليقات
0