خنيفرة تودع مولاي الصَدِّيق عبدلاوي، أحد رجالات الحركة الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي
أحمد بيضي
الإثنين 20 أبريل 2020 - 14:39 l عدد الزيارات : 4991
أحمد بيضي
عن عمر يناهز 92 سنة، انتقل إلى جوار ربه، صباح الأحد 19 أبريل 2020، بمدينة خنيفرة، الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، ووري جثمانه الثرى بمقبرة أحطاب بخنيفرة، وهو يعد من الوجوه التي نقشت اسمها في صفوف الحركة الوطنية، منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي بحكم العلاقة المتينة التي كانت تربطه بخريجي الثانوية البربرية بآزرو، أمثال حا بن موحى، عبد الحميد الزموري، أعمر الزموري، ومولاي احمد بن الحسين، فضلا عن علاقة المصاهرة التي تجمعه بالزعيم الوطني علال الفاسي.
وخلال سنوات الأربعينيات، من القرن الماضي، نسج الفقيد علاقات خاصة بالمرحوم إدريس المحمدي، خريج مدرسة مولاي يوسف بفاس، والعلامة الكبير عبد العزيز بن إدريس العمراوي، وشيخ الإسلام سيدي محمد بن العربي العلوي، والأعلام المغاربة مثل الحاج أحمد بلافريج، والحاج عمر بن عبد الجليل، وأبو بكر القادري، والهاشمي الفيلالي، وكل هذه الشخصيات الوطنية البارزة وغيرها أثرت في المسار النضالي للفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، وساهمت في تكوينه السياسي.
وصلة بالموضوع، أسس الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، بمنطقة خنيفرة وأحوازها، خلايا حزب الاستقلال، حيث كان يتنقل بين قراها ومداشرها لتعريف الساكنة بالقضية الوطنية، وإذكاء الوعي الوطني في أوساطها، ولم يقتصر عمله على فضح السياسة الاستعمارية فحسب، بل ساهم سنة 1948 في دعم القضية الفلسطينية ماديا، مع تحسيس المواطنين بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي، والمخططات الاستعمارية الصهيونية، خصوصا بعد صدور القرار الأممي القاضي بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين.
واعتبارا للمكاسب التي حققها حزب الاستقلال بخنيفرة ونواحيها، قام الشهيد المهدي بن بركة، رفقة المرحوم إدريس المحمدي، والمرحوم مولاي أحمد بن الحسين، يرافقهم وفد من الصحفيين العرب، بزيارة إلى مدينة خنيفرة، حيث استقبلهم الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي بحفاوة، وأطلعهم على أوضاع ساكنة مدينة خنيفرة وأحوازها، وأفادهم ببيانات ومعلومات ومعطيات مستفيضة حول المجهودات التي يقوم بها الحزب بالمنطقة من أجل نشر الوعي الوطني والسياسي في صفوف الساكنة.
ولم يفت الفقيد قيادة الوفد نحو مدرسة ب “ديور الشيوخ” للاطلاع بها على أحد حجراتها الدراسية، شيدها الفرنسيون لتدريس أبناء المدينة، ومن الصدف أن وجد الوفد الحجرة مغلقة، وفي وضعية يرثى لها، ما خلف استياء وتذمرا لدى الوفد الذي خرج بخلاصة مفادها أن السلطات الاستعمارية لا ترغب في تعليم أبناء المنطقة، عكس ما تدعيه من كونها احتلت المغرب من اجل تحديثه، وقبل مغادرة الوفد المدينة، قدم الشهيد المهدي بن بركة لمولاي الصديق عبدلاوي برنامج عمل الحزب للمرحلة المقبلة والحاسمة، طالبا منه تفعيله.
وبينما كان الشهيد المهدي بن بركة يزور مولاي الصديق بمنزله، تم تكليف الأخير، سنة 1950، من طرف المرحوم إدريس المحمدي، وبأمر من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، بتسليم ملف مهم للشهيد بن بركة، الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية بفندق فرنسا بميدلت، ورافقه في هذه المهمة ذ. عمر ولد القايد حدو ولحسن بن سعيد السوسي، حيث التقى الثلاثة بالمرحوم مولاي عبد الله العلوي الذي رسم لهم الخطة التي ستوصلهم إلى الشهيد بن بركة، وبالفعل تمكن الفقيد مولاي الصديق من إيصال الملف للشهيد بن بركة الذي سلمه بدوره ملفا مهما.
وفور عودته من ميدلت لمدينة خنيفرة، فوجئ الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي باستدعاء موقع من جانب الكومندار كودري، يطلب منه المثول أمامه لاستفساره عن الغاية من زيارة ميدلت، وذلك في نفس السنة التي حاولت فيها الإقامة العامة خلع السلطان محمد الخامس، وهي المحاولة التي باءت بالفشل، وبينما كان رد فعل الوطنيين برفض رفع راية فرنسا في مدينة خنيفرة، بادر الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي إلى السفر نحو مدينة الدار البيضاء من أجل اقتناء صور الملك محمد الخامس والرايات المغربية من ماله الخاص.
وبخنيفرة كلف الفقيد عددا من الوطنيين بتعليق صور الملك والأعلام، فوق البنايات السكنية والمحلات التجارية، لإبراز للسلطات الاستعمارية المكانة التاريخية التي يحتلها السلطان في قلوب ووجدان الساكنة، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال وحملها إلى البحث عن ذرائع لاعتقال الوطنيين، وفي سنة 1951، جرى اعتقال الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، رفقة الوطنيين الحاج با المكي، عبد الله فتحي، الطاهر بن الحاج العربي، محمد بركات بلفقيه، مولاي الحسن بالهادي، التهامي بن الصديق، سي احمد الأزرق، بتهمة تأليب الساكنة ضد فرنسا ومصالحها.
وفي حملة اعتقالات جرت يومها، طالت باري ولعوان، مولاي أمحمد، سي حسن، موحى وعلا، من ايت إسحاق، ومولاي أمحمد بوتغجديمت، من عين اللوح، والمعطي نعزيزي، علي ندا احماد، الحبيب الغريسي، من أزرو، وقد مارست سلطات الاحتلال على المعتقلين كل أشكال وصنوف التعذيب النفسي والجسدي، مع ترحيلهم إلى مكناس والزج بهم في غياهب السجن لمدة شهر كامل، ثم إرجاعهم إلى خنيفرة حيث حوكم عليهم بثلاثة أشهر سجنا، لتقرر سلطات الاحتلال ترحيلهم إلى بوعنان، شرق المغرب، وسجنهم هناك.
وبعد ذلك أصدرت سلطات الاحتلال قرارا يقضي بنفي البعض من المعتقلين إلى الدار البيضاء، والبعض الآخر إلى فآس والرشيدية، فيما تم نفي الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، بمقتضى برقية الإقامة العامة، المؤرخة في 29 يونيو 1951، إلى مدينة الدار البيضاء التي يعرف دروبها معرفة جيدة بحكم ممارسته للتجارة، ليبدأ فصل أخر من فصول التضحية والمقاومة، حيث اكترى منزلا بالدارالبيضاء، وشرع في ربط عدة اتصالات بمجموعة من الوطنيين الذين تربطهم به علاقات سابقة أمثال حميدو الوطني، وسي الهاشمي الفيلالي.
وبأحد أزقة مدينة الدارالبيضاء، قام الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي بإحداث معمل للحلويات، بشراكة مع محمد بوتخيل الفكيكي، وعبد الوهاب الكحال، وأخذ في تشغيل عدد من الوطنيين المنفيين إلى المدينة، وغير المنفيين، في سبيل تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، لتجاوز الصعوبات المالية، وتحفيزهم على مواصلة طريق المقاومة ضد السلطات الاستعمارية، وقد أصبح معمل الحلويات، الذي كان يحمل اسم “حلويات النجمة”، عبارة عن مدرسة أو خلية للوطنيين، إلى أن أصبح جميع عماله متشبعين بأفكار المقاومة.
وفي دجنبر 1952، كان الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي من بين المشاركين في المظاهرة العارمة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، استنكارا وتنديدا بمقتل النقابي التونسي فرحات حشاد، والتي عمد الجيش الفرنسي إلى إطلاق النار على المتظاهرين العزل، بطريق مديونة، لمنعهم من الوصول إلى ساحة فرنسا، كما كان الفقيد في مقدمة المناهضين لنفي الملك محمد الخامس، حيث انخرط في صفوف خلية سرية تحمل اسم “أبطال الأطلس”، والتي أسندت له فيها مهمة ادخار الأسلحة، ووقتها نقل أعضاء الخلية إلى مناطق مختلفة.
وفي ما يخص ادخار الأسلحة، كان الفقيد مولاي الصديق يتوفر على محل استعمله كمستودع للسلاح، يقع حينها بدرب مبروكة، زنقة دوسانت أندري دوكتزاك، قرب كراج علال، فيما كان على اتصال دائم ومستمر بالمجاهد المرحوم المكوني الإدريسي بنعمر، الذي كلفته قيادة المقاومة بالدار البيضاء بربط الاتصال بخلايا الأطلس المتوسط، وقدمت له المال والأسلحة لدعم للمقاومة المسلحة هناك، وظل على اتصال دائم بقيادة المقاومة الفدائية بمنطقة خنيفرة إلى أن عاد الملك الراحل محمد الخامس من المنفى.
ويذكر أن الفقيد مولاي الصديق عبدلاوي قد شارك بقوة في دعم جيش التحرير أيضا، إذ بعد عودته، سنة 1956، إلى خنيفرة، اقتنى لأفراد جيش التحرير 100 حذاء، وسلم لعبد الله الصنهاجي بعض المسدسات، بمنزل محمد القستالي، بحضور محمد الشاوني، وخلال سنوات الستينات، ساهم في تسيير الجماعة الحضرية لخنيفرة، وفات لفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، بخنيفرة، أن تسلم منه وثائق مهمة، منها صورة تذكارية ناذرة، التقطت، سنة 1945، لقادة ورموز الحركة الوطنية الذين عقدوا اجتماعا سريا بموقع أجدير التاريخي ضواحي خنيفرة.
والفقيد مولاي الصديق عبدلاوي، من مواليد سنة 1928 بأولاد يوسف بالريصاني، من أبويه مولاي الصديق بن مولاي عبد الله وخديجة بنت الحاج لحبيب، غادر مسقط رأسه صوب مدينة خنيفرة بغرض الالتقاء بعمه ألطاهري محمد بن عبد الله، واستشارته بخصوص طموحه ورغبته في الدراسة بجامعة القرويين بفاس، إلا أن عمه ألح عليه البقاء والاستقرار بمدينة خنيفرة للاشتغال في الميدان التجاري، سيما أنه أضحى وقتها يتيم الأبوين، ليأخذ طريقه التي نشأ فيها تنشئة دينية وتربى تربية وطنية.
(من مذكرات حكاها للنيابة الاقليمية لقدماء المقاومين وجيش التحرير)
تعليقات
0