متى يتم “إنقاذ” إقليم خنيفرة من “السكتة المجالية”، و”علاج” جروحه، و”إصلاح” بوصلته المعطلة؟؟

أحمد بيضي الجمعة 5 مارس 2021 - 20:39 l عدد الزيارات : 10890
  •     خنيفرة: أحمد بيضي

تشتد وتيرة حراك الشارع العام بخنيفرة، وإن دلت على شيء فإنما تدل على ما يعانيه الإقليم من مظاهر التهميش والفقر والفساد والهشاشة، والبطالة المقنعة وغلاء المعيشة والفواتير الثقيلة، وارتفاع الضرائب وتدني الخدمات الأساسية وتردي البنيات التحتية، واستفحال حالة الركود التجاري وانعدام فرص الشغل، علاوة على انتهاكات حقوق الإنسان وانتعاش المحسوبية والزبونية، والبطء في تفعيل أحكام محاكم جرائم الأموال.

ولعل الأشكال الاحتجاجية، المباشرة وغير المباشرة، قد أفسدت على بعض المسيرين راحتهم المألوفة، والمقصود بهم الذين نبتوا في “حدائق التحكم” وأخلوا بمبدأ التدبير العقلاني للملفات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وانشغلوا بالصراعات الغبية، وأغلقوا الأبواب في وجه المواطنين والفئات المعوزة وطالبي المعلومة، وفشلوا في احتواء الأزمات، وشددوا الخناق على التظاهرات السلمية والأصوات الحرة.

ورغم الانقسامات والاختلافات، فنادراً ما يشتهي الأهالي هنا الصمت أو التحفظ عما تعيشه قلعتهم الحمراء من وجع يومي وقلق وجودي وتفاوت طبقي، ومن واقع عاجز عن كبح جماح جنون مغتصبي كراسي المسؤولية، ولا أحد عرف كيف جاءت جائحة كورونا لتعري واقع الصحة والتعليم، وتكشف عن وجه البؤس المستور والحيف المقموع، وعن حياة اجتمع فيها أبطال “بؤساء” هيجو و”خبز” شكري و”محاولة عيش” زفزاف.

ترى كم يكلف رد الاعتبار لهذا الإقليم من ماديات ومعنويات؟، وكيف يمكن أن تتم محاسبة ومساءلة كل الذين “تناوبوا” على اغتصاب هذا الجزء الأطلسي؟ وتحويله إلى مجرد “مغارة علي بابا” المفتوحة في وجه الباحثين عن الثراء غير المشروع بكلمة “افتح يا سمسم”، على حساب ما راكمه هذا الإقليم من تاريخ بطولي وماضي نضالي، وحاضر يصارع من أجل البقاء.

ويتساءل الكثيرون منذ عقود مضت: هل تم رفع ما كان يروجه رموز سنوات الرصاص، في عهد الراحل الحسن الثاني، على “أن خنيفرة محكوم عليها ب “السورسي” (الحبس موقوف التنفيذ مدى الحياة)”، عقابا لها على أحداث 1973؟، إذ من الواضحات أن بعض الأطراف المعلومة ظلت تسعى إلى الإبقاء على المنطقة “محكومة” على الدوام، حتى يسهل عليها امتصاص ما بها من ثروات وخيرات وأموال عامة.

  • بياض ناصع السواد

والمؤكد أن “الهدوء الحذر” الذي تعرفه المدينة والإقليم، بين الفينة والأخرى، لا يعني يأسا أو صمتا، بل يحمل رسائل “واضحة” من أجل فك الحصار المضروب على المنطقة التي باتت على وشك الوفاة ب”السكتة المجالية”، والواضح أكثر أن الصرخات الإعلامية والحقوقية والجمعوية، وكذا المسيرات والوقفات الاحتجاجية، تدل بوضوح على درجة الاحتقان التي بلغتها أحوال البلاد والعباد بالقلعة الزيانية.

وتكون “مراكز القرار” قد لامست أسباب وخلفيات وتفاصيل مشاكل الإقليم، دون أي علاج نهائي، وهي على علم بمنتهى الفساد المتفاقم والغابات المستنزفة والمشاريع المشبوهة والصفقات المظلمة، وانعدام أية وحدات صناعية، اقتصادية واستثمارية، يمكنها امتصاص وضعية البطالة والبؤس والأزمة، رغم الصوت الخشن الذي ما يزال صداه يتردد بين الناس لجهة زعمت يوما أن الإقليم لا يستحق الاستثمار.

وبجولة واحدة، عبر أزقة إقليم خنيفرة، تتفتح الأحاديث الجريحة حول أحوال الصحة المريضة، ووقائع جماعات تحتضن بين كراسيها كائنات تسكنها ذئاب جائعة للمال والسلطة، وحول أوضاع فقراء وبسطاء يتنفسون المرارة في الزوايا، فيما تمتد صور مسنين يدفعون العربات اليدوية وأطفال يمسحون الأحذية ونساء يبعن الخبز، حيث تنتصب الرغبة في البحث عن بصيص أمل في واقع مليء بالشعارات وبالتناقضات المخلة بالقيم.

بين الفينة والأخرى، ينتشر ما يفيد باقتراب زيارة ملكية للمدينة، فيسجل الشارع المحلي قيام “أهل الحل والعقد” بطلاء حياة المدينة بمساحيق التجميل وقتل الكلاب الضالة وكنس الأزبال وتزفيت الحفر وإنبات الشجر وتجميع المتسولين وإخفاء الباعة المتجولين، فضلا عما يصطلح عليه ب “الاصلاحات المستعجلة” التي يتم تمريرها تحت المائدة أو جعلها فرصة لمضاجعة ما يسمن ويغني.

وعلى الذاكرة المتناسية قراءة تاريخ إقليم خنيفرة الذي لطالما أثبت، في مراحل حياته، أنه عصيّ على كل المظالم، باعتراف حتى قادة الاستعمار الأجنبي من أمثال ليوطي، جيوم، هنريس، وبعدهم رموز سنوات الرصاص الذين نهجوا كل الفنون الجهنمية والأقبيات السرية، وكل آليات الاضطهاد والتعذيب والإعدام، وغيرها من الآلام التي لن يعالجها سوى مصالحة حقيقية وتنمية مستدامة وعدالة مجالية واضحة.   

  • أسئلة خارج المجهر

وصلة بملف خنيفرة، لا أحد يدري متى ستتم معالجة الملفات الثقيلة من قبيل مشكل البناء العشوائي وأراضي الجموع والتحفيظ العقاري (وكالة التحفيظ العقاري ظلت غير محفظة)، ومشكل النزاع المتعلق بعقار “الكورص”، والفضاءات المضرة بالبيئة، والمشاريع التي ينتظرها السكان (نواة جامعية، منطقة صناعية، متحف محلي، محكمة للاستئناف، مندوبية للسياحة، مندوبية للثقافة، ملعب رياضي لائق، فضاء للاستقبال السياحي…). 

وعلى من يهمهم الأمر أن يروا بأم أعينهم مدى معاناة مدينة أطلسية كخنيفرة من فقر الاخضرار، وفي قلبها يجري نهر أم الربيع؟، وكيف هي مساطر رخص البناء معقدة وباهظة؟، ولماذا تتناسل الوداديات في الكواليس، ومنها التي توقفت على حساب منخرطيها أو بلغت روائحها لدواليب القضاء؟، أما عن ملاعب القرب التي جرى إجهاض مجانيتها في دهاليز الماركوتينغ فالحديث عنها أطول من الزمن.

ولا بأس لو تم التحقيق في الأغلفة المهدورة باسم “مستحقات” مكاتب الدراسات، وفي المشاريع المدعمة بأموال الاتحاد الأوروبي (برامج ميدا مثلا) والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا في المشاريع والصفقات المفوتة للمقاولين المحظوظين، وكذا بخصوص ما يسمى بالدعم المخصص للفلاحين والمزارعين في إطار مخطط “المغرب الأخضر” و”محاربة الجفاف”.  

كما من حق الكثيرين التشديد على ضرورة فتح ما ينبغي من التحقيقات في ملف أشغال وأوراش وصفقات “برنامج تأهيل إقليم خنيفرة”، الذي أطلقه الملك محمد السادس، عقب زيارته للمدينة، أوائل ماي عام 2008، بغلاف مالي قدره220  مليون درهم، على أن يغطي الفترة الممتدة من 2008 إلى 2011، إلى جانب التحقيق في مآل اتفاقية مشروع التنمية الحضرية (2017/2020) والموقعة بين عدة أطراف.  

وهناك العديد من المطالبين بالعمل الجدي على تعميق التحقيق في ما طبع المرحلة الأولى والثانية من “المشروع الألماني المغربي للتطهير” من استفسارات بشأن ملفاته المالية والتقنية، مع سؤال عام حول مدى مواكبة الاتفاقيات الخمس التي تم توقيعها بين مجلس الجهة وجماعات ترابية بإقليم خنيفرة بغلاف مليار و660 مليون و100 ألف درهم، فضلا عن ملف “مشاريع سياسة المدينة” الذي لم يعلم أي أحد شيئا عن حيثياته وتفاصيله.

وفي السياق ذاته، لابد من التساؤل حول ملف مشاريع “جبر الضرر الجماعي”، التي تمت في إطار الشراكة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان وصندوق الإيداع والتدبير والاتحاد الأوروبي، باعتبار الإقليم من المناطق التي تضررت جراء ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها إلى ضرورة المتابعة النزيهة في شأن الثروة الغابوية والمناجم المعدنية، ومقالع الرخام والفسيفساء.

والواضح أن سكان العالم القروي ينتظرون ما يكفي من التدخلات لدعمهم بالماء الشروب والمسالك والطرق الضرورية ووسائل التمدرس، والتعامل بديمقراطية مع برنامج “كهربة العالم القروي”، وهناك مطالب قوية من أجل فك لغز حقيقة مبلغ 140 مليون سنتيم الذي قيل بصرفه في إنجاز “كتاب” مصور حول الإقليم، مع ضرورة الإجابة عن ملابسات “تفويت” ديور الشيوخ أو “تيدار زيان” في الظروف المحاصرة بالاستفهامات.   

وإذا كان لا بد من “إعادة الإعمار” أو “بداية الإعمار” في الإقليم”، وفق مطالب “العدالة المجالية”، فربما ليس ثمة نية قوية وممنهجة من أجل رسم طريق سليمة لهذه العملية، وأن تكون مرتبطة بالبحث الجدي في مظاهر الاختلالات وتفاصيل الإخفاقات، كما في مظاهر هدر المال العام في المجالات غير المفيدة و”المهرجانات” العبثية، وأيضا في مكامن الفشل في تحقيق انتظارات ومآسي المناطق الجبلية.

  • منطقة ببوصلة معطلة

ليس من باب المبالغة تأكيد وجود عقليات تمارس منهجية سلطات الاحتلال الفرنسي التي كانت تصنف هذا الإقليم في خانة “المغرب غير النافع” لغاية نهب النافع فيه، من أياد عاملة رخيصة وثروات غابوية ومعدنية ومائية وزراعية، فيما تحاول أطراف أخرى تسويق صورة الإقليم على شكل أرض ل “الشواء والنشاط وقنص الخنزير” لغايات مفيدة لهم ولنفوذهم وطموحاتهم المصلحية.

 كم من الناس هنا تتألم لواقع الإقليم رغم كل ما أنجبه من قدماء المقاومين وجيش التحرير ومحاربين بأوروبا والهند الصينية، ومعتقلين سياسيين ومطرودين من الجارة الجزائر، ولا حرج في أن نأخذ من باب النكتة حكاية الرجل الذي هاتف زوجته وأشعرها بأنه “وصل إلى خنيفرة”، فردت عليه بلهفة “ومتى ستعود ياحبيبي إلى المغرب؟”، وهذه واحدة من تعاليق المواطنين الذين لم يعد في اعتقادهم أي رابط يشدهم بوطنهم غير البطاقة الوطنية.

 هو نفسه الإقليم المفتوح على قراءة عهد الجنرال ليوطي الذي أحرق أراضيه، وأوفقير الذي دك بيوت بؤسائه وعذب مواطنيه، إلى إدريس البصري الذي حلق شعر امرأتين بمقص أحد باشواته لأنهما رفضتا الرقص في بيته، قبل أن يعمد رجاله إلى تصفية شهيد المعطلين مصطفى حمزاوي، إلى باقي رموز الجرائم السياسية والاقتصادية وما فعلوه بالإقليم الذي لا يجد ما ينعش به نبضات اقتصاده غير عملة المهاجرين وراتب الموظفين ورحمة الأمطار.

من الضروري الالتزام بسياسة القرب والانفتاح، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين والاقتراب من اهتماماتهم وحاجيات الفئات الفقيرة والمعطلة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتدخل لتقوية حاجيات قطاعي الصحة والتعليم، وإعادة المجد للفريق الزياني ومساءلة مسيريه، مع تحفيز الفاعلين الاقتصاديين والمنعشين السياحيين على الاستثمار، الى جانب العمل على حفظ ذاكرة المنطقة.

  • ذاكرة تشتهي النسيان

ولا جدال مطلقا في أهمية الإقليم بالنظر لرمزيته المتميزة في تاريخ المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، ومعركته الشهيرة بقرية لهري، وسجله المحافظ على “خطاب أجدير”، المؤرخ في 17 أكتوبر2001، الذي أُعلن عن تأسيس “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” وتشكيل محطة حاسمة في المسار التاريخي لتجسيد هوية الدولة المغربية، ووضع قطيعة مع مرحلة التنكر للأمازيغية كلغة ورصيد حضاري وثقافي.

إضافة إلى أهمية هذا الإقليم على مستوى ثرواته الغابوية والمائية والفلاحية والمعدنية، فهو يتوفر على رصيد وازن من الحرف التقليدية والمآثر التاريخية والتنوعات الجيولوجية، ومن الخصوصيات والموروثات، والفنون الشعبية الفولكلورية، والأسماء اللامعة في الفن والرياضة والثقافة والطب والاقتصاد، والكفاءات الجامعية، فضلا عن الأدمغة العلمية التي إما جرى تهميشها أو هاجرت نحو خارج الإقليم ووراء البلاد.

وهناك تساؤلات ومطالب ما تزال عالقة، لماذا لم يتم إحداث مندوبية إقليمية للسياحة ولا مندوبية للثقافة؟، ما معنى شعار “رؤية 2020” وبماذا ساهمت هذه الرؤية لفائدة المنطقة؟، ما مصير نداءات الفاعلين في مجال السياحة الجبلية المطالبة بإصدار “قانون للجبل”؟، وما مصير قاعة المسرح التي تمت برمجتها ليختفي خبرها؟، علاوة على الكثير من التساؤلات التي بقيت خامدة إلى أجل قد تعترف فيه مراكز القرار بهذه المناطق.

ومن اللازم فتح المجال لاكتشاف ما يزخر به الإقليم من مؤهلات طبيعية ومآثر مصنفة تراثا عالميا وإرثا إنسانيا، تعرضت كلها للاندثار و”الزحف العمراني”، ولا تقل عن قصبة موحى وحمو الزياني، الزاوية الناصرية، قنطرة مولاي إسماعيل، وأطلال إغرم أوسار، مع ضرورة رفع “الضوء الأحمر” عن الزاوية الدلائية، وتقوية الاهتمام بالمدينة الأثرية (فازاز) التي اكتشفت ولم تنل حقها من الأضواء والأبحاث التاريخية.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 13 مايو 2025 - 11:52

نشرة إنذارية.. زخات رعدية يومي الثلاثاء والأربعاء…

الثلاثاء 13 مايو 2025 - 11:35

المجال القروي في صلب الاهتمام الملكي: إعادة تشكيل القطيع كمدخل لإنصاف الفلاح وتثبيت الأمن الغذائي

الإثنين 12 مايو 2025 - 20:24

لصوص “العطل المدرسية” يعاودون اقتحام وسرقة منازل الأساتذة

الإثنين 12 مايو 2025 - 20:22

عملية جراحية نوعية بمراكش تنقذ مولودا جرى نقله من مدينة الداخلة في وضعية صحية حرجة

error: