-
د. عبدالمالك أشهبون (°)
إصدار جديد للإعلامي د. محمد الزوهري (°°) بعنوان “مائة يوم من العزلة“، والذي اختار له عنوانا تحتيا هو “يوميات من زمن الحجر”، وصادر عن “المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية”، وهو عبارة عن يوميات الحجر الصحي والإغلاق الشامل الذي عرفه العالم والمغرب بصفة خاصة جراء تفشي جائحة كورونا العام الماضي…ويطيب لي بهذه المناسبة أن أضع بين أيديكم نص الكلمة التقديمية التي خصصناها لهذه اليوميات الطريفة والممتعة والمشوقة، واخترنا لها عنوان: “يوميات ساخرة في وجه وباء غاشم”…
برز الباحث والإعلامي الدكتور محمد الزوهري في المشهد الثقافي المغربي بعدما اقتحم ــ مؤخرا ـــ عالم الرواية برائعته “طائر الجبل” (2020)، تلتها يومياته المشوقة والأخاذة يوميات “عام كورونا”، متسلحاً فيهما بنجاحه الصحفي المشهود له، منذ توليه مكتب جريدة “الأحداث المغربية”، ثم جريدة “الأخبار”، تكلل هذا المشوار الصحفي المتميز بكتابيه الأكاديميين: “ملامح الكتابة الصحفية ــ السمات اللغوية والأسلوبية” (2016)، وكتاب “الممارسة الإعلامية الواجب المهني والأداء الفني” (2019)، ثم دراستين: الأولى حول “رهانات الإعلام السمعي البصري”، والثانية حول “الإعلام الإليكتروني بالمغرب” (2020).
وهنا وجب التذكير، في هذا المقام التقديمي، أنه طيلة فترة طويلة من تاريخ أدبنا العربي، اعتبرت اليوميات والمذكرات والمراسلات الخاصة مجرد خطابات عادية، لكنها أصبحت اليوم واسعة الانتشار، يقدم فيها أصحابها شهاداتهم الشخصية على اختلاف التجارب التي عاشوها كما فرضت، أيضا، نفسها في عالم الأدب بصفتها نوعاً أدبيا له ضوابطه وخصائصه ومعاييره..
من هنا يجب الإقرار بأن فعل كتابة اليوميات لم يعد مجرد سرد يومي لما وقع أو يقع، بحيث تغدو هذه اليوميات ـــ مع مرور الوقت ـــ ركاما مُمِلاً من التسجيلات الذاتية فقط، بل غدت كتابة مُطعَّمة بالأدب من جهة، وتتطرق لأحداث خارجية بقدر ما تتطرق للمشاعر الداخلية لصاحبها من جهة ثانية.
ولقد وجب التنويه، في هذا السياق التقديمي أيضا، بأن فن اليوميات بالذات، عرف اليوم إقبالا متزايدا من طرف الكتاب في عالمنا العربي، باعتباره الفن الأدبي الأنسب للتعبير عن مجريات ووقائع زمن الحجر الصحي خاصة، وزمن انتشار وباء كورونا عامة. ففي الواحد والعشرين من مارس، برسم العام العشرين بعد الألفين، شرع الإعلامي والباحث محمد الزوهري في تقييد يومياته في مواجهة مفتوحة مع الوباء سلاحه هذه المرة هو الكتابة السردية. فمنذ أول يومٍ من سريان حالة الطوارئ الصحية، أصرَّ الزوهري على تقييد يومياته في زمن طال فيه الحجر والحصار واستطال…
وإذا عدنا إلى طبيعة توظيف اليوميات في هذا النص بالذات، ألفيناها تنزاح عما هو مألوف في أدب اليوميات؛ لأن الزوهري يكتب في هذا السياق بنزعة كاتب اليوميات (le diariste)، لكن بعيدا عن ذلك التركيز النرجسي على الذات الذي يميز معظم دفاتر اليوميات والمذكرات الخاصة. وهنا ينبري الكاتب في تسجيل وحكي وقائع من حياته الخاصة، وحياة أسرته بالذات، في الوقت الذي تنفتح يومياته على مشكلات وقضايا المجتمع بكل مستوياتها وطبقاتها، وصولا إلى وقع آثار هذه الجائحة على الإنسان عامة، في مشارق الأرض ومغاربها، حيث سعى الكاتب إلى توثيق مجموعة من الوقائع التي طبعت مرحلة تفشي جائحة كوفيد 19، وما أثارته من تداعيات إنسانية، واجتماعية، واقتصادية، لاشك أنها ستظل حدثا فارقا في تاريخ البشرية.
يوميات ومشاهدٌ وظواهرٌ وإيحاءاتٌ استلهَمَها الباحث من محيطه الاجتماعي والتواصلي، وجسَّدها عبر رؤى وانطباعات، تضع القارئ في صلب الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المترتبة عن تفشي الجائحة القاتلة. من هنا تكون الثيمة الأبرز في هذه اليوميات، هي الموت، بحيث نلفيها تهيمن على خواتم كل يومية على حدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ لا شيء يشفع للإنسان أمام سلطان الموت: لا مال ولا بنون، لا نسب ولا حسب، وحدها الموت هي الحقيقة الثابتة التي لا غبار عليها.
وبخصوص الصياغة الأسلوبية، فلقد لجأ الكاتب إلى عدة أساليب لتظهير تلك اليوميات: مفارقات، خطاب الساخر، إيحاءات، مقارنات… لذلك نلفي أنه وراء كل يومية حمولة من الأفكار، والأحداث الطريفة، والمواقف الساخرة التي تعتبر سلاحا فتاكا في وجه العدو (الموت) في زمن الوباء والأزمات.
تلكم هي بعض القضايا التي حفلت بها يوميات محمد الزوهري في زمن الوباء؛ فهل توفَّقَ الكاتب في فتق أبكار هذا الموضوع الطارئ والطريف شكلا ومضمونا؟ وهل تمكن ضوء مِشْكاته من إنارة بعض أبعاد هذه القضية الشائكة في حياتنا اليومية؟ وإلى أي حدٍّ انزاحت يومياته عن الطابع التسجيلي المحض، عبر تلقيح المادة الأساسية وتطعيمها بما هو إبداعي؟
أسئلة كثيرة، جوابها البليغ هو قراءة هذا النص، والاستمتاع بما يحويه من جوانب فنية، والغوص في عوالمه الفكرية، وتقفي أحداث مادته التي يجليها الكاتب، بفنية رائعة، من خلال فن إبداعي أوتي حظا كبيرا في زمن الوباء اللعين ألا وهو فن اليوميات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
0