تربويون وحقوقيون وباحثون يناقشون، في ندوة وطنية بأكاديمية بني ملال خنيفرة، موضوع التربية الدامجة
أحمد بيضي
السبت 29 مايو 2021 - 23:34 l عدد الزيارات : 26340
أحمد بيضي
تفعيلا لمقتضيات القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولاسيما ما يخص “ضمان الحق في ولوج التربية والتعليم والتكوين لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة”، نظمت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، بجهة بني ملال-خنيفرة، يوم الأربعاء 26 ماي 2021، بمقرها الكائن بببني ملال، ندوة وطنية، حضوريا وعن بعد، في موضوع التربية الدامجة ورهان الجودة، تحت شعار “من أجل مدرسة متجددة، ومنصفة”.
الندوة، التي تميزت بمشاركة مختصين من مختلف المشارب والمجالات التربوية، النفسية، الصحية، الحقوقية والتدبيرية، سعت أساسا، وفق بلاغ صحفي، إلى تسليط الضوء على المرجعيات المؤطرة الخاصة بالتربية الدامجة من حيث الأجرأة والتفعيل، وتقاسم التجارب والممارسات، وتعزيز قدرات الفاعلين التربويين والشركاء، وبلورة مقترحات وتوصيات لتطوير وتجويد الخدمات.
من جهته، أبرز مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة، ذ. مصطفى السليفاني، في كلمته الافتتاحية أن “الاهتمام بالأشخاص في وضعية إعاقة عموما، وبالأطفال المتمدرسين من هذه الفئة على وجه الخصوص، يندرج في إطار استراتيجية شاملة للدولة المغربية، تستند في مرجعياتها الأساسية إلى التوجيهات الملكية السامية، الداعية إلى جعل المنظومة التربوية منظومة دامجة وشاملة ومنصفة، تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمات والمتعلمين، بعيدا عن كل أشكال التمييز والإقصاء، من أجل تحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية”، بحسب البلاغ.
كما أكد مدير الأكاديمية ” مدى حرص وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على أجرأة وتفعيل هذه التوجيهات الملكية السامية، عبر التنصيص على حقوق الأطفال في وضعية إعاقة في التمدرس الدامج المنصف، من خلال الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وكذا من خلال القانون الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، لاسيما المشروع رقم 4 المتعلق بــ ” تمكين الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة من التمدرس”، اعتبارا للأدوار الأساسية للمدرسة في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ”، يضيف البلاغ.
ولم يفت مدير الأكاديمية التذكير ب “الأهمية التي توليها هذه الأكاديمية لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة إسوة بأقرانهم، بدءاً بتوفير مقعد بيداغوجي لهذه الفئة، ومرورا بتشخيص طبي دقيق، ووصولا إلى الإدماج بالفعالية اللازمة، الشيء الذي لا يتأتى إلا بمزيد من الجهود للتكيف مع الخصائص الفردية لجميع المتعلمات والمتعلمين، وتكييف تقنيات التعلم والممارسات البيداغوجية وفق خصوصيات كل إعاقة”، انسجاما مع “مضامين “الإطار المرجعي للتربية الدامجة ” الذي أعدته الوزارة في هذا السياق”، والذي يتضمن دلائل ومصوغات للتكوين والتأطير لفائدة الأطر التربوية والإدارية والأسر والجمعيات الفاعلة في المجال.
أما مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة، ذ. محمد حابا، فأفاد في مداخلته ب “أن المركز الجهوي استحضر قضايا الإعاقة والدمج المدرسي في صلب برنامج عمله، اعتبارا لأدواره البحثية والتكوينية”، حيث تميزت السنة التكوينية الحالية ب “إدراج مجزوءة خاصة تعنى بالتربية الدامجة في البرنامج التكويني لكل من مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية وكذا مسلك تكوين أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي قصد إعداد هاتين الفئتين للمساهمة بشكل إيجابي في تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة بعد تخرجهما من المركز، وتحملهما لمسؤولياتهما الإدارية والتربوية بالمؤسسات التعليمية.
وفي ذات السياق، أبرز مدير المركز الجهوي أن “بعض فرق البحث التي تم إحداثها على مستوى المركز لها اهتمام خاص بالموضوع، مذكرا بالتزام المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة بحفظ وتوثيق الانتاجات العلمية والتوصيات التي ستتمخض عن الندوة من خلال تخصيص عدد خاص من مجلة المركز لنشر أعمالها”، وإيمانا من المركز الجهوي ذاته بأهمية الانفتاح على الشركاء، تم على هامش الندوة توقيع اتفاقية شراكة بين هذا المركز واللجنة الجهوية لحقوق الانسان لجهة بني ملال خنيفرة.
وتسعى اتفاقية الشراكة الموقعة بين المركز الجهوي واللجنة الجهوية لحقوق الانسان إلى “العمل المشترك من أجل النهوض بثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وتعزيزها وترسيخها في منظومة التربية والتكوين عبر دعم وتقوية قدرات منتسبي المركز الجهوي في مجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، وتنظيم أنشطة تربوية وإشعاعية في مجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة والتسامح، وكذا تبادل المعلومات والخبرات والوثائق والمنشورات ذات العلاقة بالمجال”، وفق نص البلاغ..
وصلة بالموضوع، أثنى رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملال خنيفرة، ذ. أحمد توفيق الزينبي، على “أهمية هذه الاتفاقية التي تأتي في سياق البناء المؤسساتي لآليات التعاون والتنسيق التي يراهن عليها المجلس مع مختلف المؤسسات التربية والجامعية من أجل التنشئة والتربية على حقوق الإنسان والنهوض بها، وامتدادا لاتفاقية الشراكة الموقعة مركزيا بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الوطني لحقوق الانسان”، كما اعتبر أن هذه الاتفاقية ستسهم في الانفتاح على متدربي ومدرسي وأطر المركز، وترسيخ ثقافة حقوق الانسان لديهم لضمان تصريفها على مستوى المؤسسات التعليمية بعد التخرج من المركز.
أما مدير المناهج بالوزارة، د. فؤاد شفيقي، فتناول في كلمته التأطيرية، “سردا تاريخيا لسيرورة التطور التي شهدتها المدرسة المغربية، منذ تجربة أقسام الدمج المدرسي منتصف تسعينات القرن الماضي إلى غاية مرحلة التربية الدامجة أو التعليم الشامل”، مذكرا ب “المجهود الذي بذل من قبل العديد من المختصين التربويين والحقوقيين والصحيين لأجل إعداد الإطار المنهجي للتربية الدامجة، والذي يعد وثيقة تأطيرية لوصف عدد من الإعاقات، وتحديد التعلمات الأساس والتعلمات الداعمة”، على حد البلاغ.
وارتباطا بالسياق ذاته، قدم مدير المناهج بالوزارة خمسة مداخل لتفعيل وثيقة الإطار المنهجي للتربية الدامجة: ومن ذلك تنويع طريقة ولغة عرض الخطاب (الصوت، والصورة، والإشارة، والكتابة…) من قبل الأستاذ(ة)/المؤطر(ة) داخل الفصل والمدرج والمحترف أخذا بعين الاعتبار الفروقات الملاحظة لدى المتعلمين تحقيقا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، والأخذ بعين الاعتبار طرق التعبير المختلفة، وطرق المشاركة لبناء الشخصية والاندماج الاجتماعي، ومراعاة التنوع الثقافي واستحضار مقاربة النوع.
وتميزت الجلسة العلمية التأطيرية للندوة بمداخلات تناولت عدة محاور، بمشاركة كل من ذة. لمياء محسن، عن جامعة القاضي عياض بمراكش، في موضوع “تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة وإشكال الاستمرارية البيداغوجية خلال أوقات الأزمات”، وذ. رشيدة أكوجيل عن المدرسة العليا للأساتذة بفاس، في موضوع “المقاربة المفاهيمية والتربوية للتربية الدامجة”، وذ. محمد الناصري عن المستشفى الجامعي الرازي بالرباط، في موضوع “التشخيص والتربية المعرفية: مدخل لتجويد الممارسات التربوية الدامجة”، ثم ذ. الصديق أبو لحسن عن جامعة ابن زهر بأكادير، في موضوع “التربية الدامجة كتمكين وإنصاف، مقاربة معيارية للإدماج كشرط للعدالة الاجتماعية والتنمية”.
كما تم التطرق في الجلسة الثانية إلى محور “تنزيل الإطار المرجعي للتربية الدامجة: ممارسات مهنية وتجارب”، حيث قدمت ذة. لالة حفيظة العلوي، رئيسة مصلحة التربية الدامجة بالأكاديمية، عرضا حول “تجربة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة في مجال التربية الدامجة”، فيما قدم ذة. محمد الكوادي عرضا هم “التكوين الأساس في التربية الدامجة لأطر الإدارة والدعم بمراكز التكوين: مدخل لتجويد الممارسات الدامجة (نموذج مشروع المؤسسة الدامج)”.
كما تقدم ذ. زهير باحمو بعرض حول Élèves en difficulté et stratégies d’inclusion dans le contexte canadien -Cas des écoles de l’Ontario، وذة. فوزية البيض وذة. كوثر برايجي بعرض في شأن Réflexion sur l’hétérogénéité et les défis de l’école inclusive، إلى جانب ذ. بلعابد إدريس التي تقدم بعرض هم “التكوين البيداغوجي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ورهان ترسيخ الممارسات التربوية الدامجة“.
وخلال الجلسة الثالثة، تم التطرق إلى محور “مقاربات التربية الدامجة”، شارك فيها ذ. عبد الفتاح احميداني بعرض حول “الأسس العلمية الدامجة “مقاربة سيكولوجية””، وذة. مينة القالي بعرض في شأن Approche comportementale et autisme ABA، ثم د. حوسي أزارو التي شارك بعرض حول “الإعاقة وسؤال التربية المنصفة: من التوصيم والتمييز إلى الصراع من أجل الاعتراف”، تلاه ذ. محمد الشنتوف بعرض حول “علاقة تقدير الذات بالتوافق النفسي لدى تلاميذ قاعات الموارد للتأهيل والدعم: دراسة ميدانية”، ثم ذ. مصطفى بوهيم وذ. لحسن الصديق بعرض في شأن “التمثلات الاجتماعية حول الإعاقة الذهنية، وانعكاساتها على هوية الأطفال في وضعية إعاقة ذهنية في الوسط المدرسي”.
وعلى هامش الندوة، يضيف البلاغ،تم تقديم خلاصات مختلف جلساتها، فيما نوه المشاركون بجودة المداخلات والخلاصات العلمية المقدمة من قبل المشاركات والمشاركين، وبالعمل الجدي الذي يقوم به السيدات والسادة المفتشات والمفتشون، والمديرات والمديرون، والأستاذات والأساتذة، والمربيات والمربون بالمؤسسات التعليمية الدامجة، والشركاء، ومختلف المتدخلين، من أجل تمتيع الأطفال في وضعية إعاقة من حقهم في التعلم وممارسة مختلف أنشطة الحياة المدرسية، وولوج مختلف الفضاءات المتاحة بالمؤسسات التعليمية، إيمانا من الجميع بأن استيفاء هذا الحق هو التزام أخلاقي ومجتمعي وإنساني يسهم في بناء مجتمع متماسك، جدير بكل أطفاله.
تعليقات
0