على الرغم من مرور أزيد من ثلاث سنوات على خطاب جلالة الملك في البرلمان الذي دعا على وجه الاستعجال إلى ضرورة حماية صغار الفلاحين من جشع المضاربين، و «التفكير في أفضل السبل لإنصاف الفلاحين الصغار، خاصة فيما يتعلق بتسويق منتوجاتهم والتصدي الصارم للمضاربات وتعدد الوسطاء».. فإن الأمور لاتزال على حالها على أرض الواقع، وهو ما أكدته الخلاصات التي انتهى إليها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أنجزه على شكل رأي في إطار إحالة ذاتية.
وقد أكد المجلس على أن صغار الفلاحين والفلاحين المتوسطين، الذين يعانون من ضعف التنظيم وغير المتوفرين على الوسائل والقدرات الكافية، يواجهون العديد من الصعوبات في بيع منتجاتهم. كما يعانون باستمرار من ضغط المضاربة وتعدد الوسطاء، الذين يتسببون في ارتفاع سعر البيع للمستهلك النهائي.
واعتبر المجلس أن مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية يتسم بالحضور القوي للوسطاء، الذين يشكلون حلقة حاسمة في سلسلة القيمة. وتضم هذه الفئة التجار الذين يقومون بتجميع المنتوجات من عند الفلاح، والسماسرة، وتجار الجملة، وتجار نصف الجملة، وهيئات التخزين البارد، والمؤسسات التعاونية، وتجار التقسيط، والفضاءات التجارية الكبرى..
وبينما اعتبر المجلس أن الوسطاء يسهلون على صغار المنتجين الفلاحين، الذين لا يستطيعون الولوج إلى السوق، بيع منتجاتهم، إلا أن تعددهم غير المنتج للقيمة، في غياب أي تنظيم وتأطير، يؤثر بشكل كبير جدا على مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية. كما أن هؤلاء الوسطاء يزيدون من حدة المضاربة، مما يكون له انعكاس جلي على المنتج والمستهلك على حد سواء، خاصة بالنسبة للفواكه والخضراوات، وحينما لا تواكبها مراقبة صارمة ومستمرة ومكثفة بالقدر الكافي.
ويختلف سعر المنتج باختلاف نوع قنوات التسويق التي يمر منها قبل الوصول إلى المستهلك. وبناء على ذلك قد يتضاعف السعر ثلاث أو أربع مرات. وبالتالي، فإن تضخم حجم الوسطاء وعدم تنظيم هذا المكون في سلسلة التسويق بسبب الفراغ القانوني.. يتسببان في عدم استفادة المنتجين الصغار والمتوسطين بالقدر الأمثل من القيمة المضافة لمنتجاتهم، ويجعلان الوسيط يحقق عموما أرباحا أكثر من المنتج.
وبالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فإن ظاهرة تعدد الوسطاء والمضاربين لا تقتصر على سلسلة الخضر والفواكه بل وتمتد إلى سلسلة اللحوم الحمراء التي تعاني من عدة اختلالات من أبرزها استمرار ممارسات المضاربة التي تؤثر سلبا على تسويق الأبقار والأغنام والماعز في الأسواق وغيرها من فضاءات البيع، ولا سيما بمناسبة عيد الأضحى..
إلى ذلك كشف المجلس عن العديد من الاختلالات التي تشوب أسواق الجملة التي تروج رقم معاملات سنوي يناهز 7 ملايير درهم ومع ذلك تعاني من عدة إشكاليات بدءا بإطارها القانوني المتقادم ومرورا بارتفاع نسبة الإتاو ة التي يتلقاها القائمون على تدبير السوق والمحددة في 7 في المائة من المبلغ الإجمالي لمبيعات الفواكه والخضر بالجملة، إذ تذهب 2 في المائة منها للوكلاء، لكن دون تقديم خدمة حقيقية في المقابل.. وانتهاء بواقع البنيات التحتية البسيطة للغاية التي لا توفر إلا عددا قليلا جدا من الخدمات، باستثناء بعض الأسواق حيث إن حوالي 20 في المائة من الأسواق (أي 7 أسواق) لا تتوفر على أي بنية تحتية (أرض عرا ء أو أكواخ من القصب في أفضل الأحوال(، وفي 45 في المائة من الأسواق (أي 17 سوقا)، تتجسد البنيات التحتية الموجودة فقط في أروقة مغطاة للبيع، كما أن 63 في المائة من الأسواق (أي 24 سوقا) لا تتوفر على مخازن مبنية بالطوب ليستعملها تجار الجملة.