خلال اللقاء الذي جمع أول أمس وزير الخارجية ناصر بوريطة وفتاح العلوي مع بنك المغرب والاتحاد العام لمقاولات المغرب والتجمع المهني لأبناك المغرب، تم تدارس الآثار المحتملة للأزمة الأوكرانية على الاقتصاد المغربي، وكذا اقتراح حلول على الفاعلين الاقتصاديين لمواجهة الوضعية الراهنة. وقد تم الإقرار خلال هذا الاجتماع، بأن الاقتصاد الوطني مدعو في عام 2022 لمواجهة عدد من التحديات المرتبطة بالارتفاع المسجل على الصعيد الدولي في أسعار المواد الأولية والطاقية، والذي تفاقم بفعل الأزمة الأوكرانية.
ودون التدقيق في التفاصيل، أكد بوريطة وفتاح العلوي، للفاعلين الاقتصاديين على دعم الحكومة ومواكبتها لمواجهة الصعوبات التي قد تترتب عن هذا الوضع. ووعدت الحكومة في شخص وزيريها في الخارجية وفي الاقتصاد والمالية بالاستمرار في العمل ببرامج دعم تمويل المقاولات، ولا سيما آليات كوفيد-19، من أجل تعزيز دعم تمويل دورة التشغيل وإنعاش استثمارات المقاولات، حيث تقرر رفع سقف الضمان في إطار العرض الكلاسيكي «تمويلكم» وذلك بهدف الرفع من العرض المحتمل لقروض الخزينة وإعادة جدولة قروض «أوكسجين وإقلاع» لمدة قد تصل إلى 3 سنوات.
ويأتي وعد الوزيرين ناصر بوريطة وفتاح العلوي للباطرونا ، بعد يومين فقط من وعد آخر قطعته على نفسها مع أرباب شركات النقل الطرقي، الذين هددوا قبل أسبوعين بفرض زيادة بـ 20 في المائة على أسعار خدمات النقل، قبل أن يتراجعوا عن الأمر بعدما تعهدت أمامهم الحكومة في شخص وزيرها في النقل واللوجستيك، محمد عبد الجليل، بدعم مهنيي القطاع، عبر إحداث «مؤشر الغازوال الخاص بقطاع النقل» وهي الآلية التي يتضمنها مشروع قانون أعدته الحكومة يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه بتشاور مع المهنيين..
وإذا كانت الحكومة هذه الأيام توزع وعودها على الباطرونا هنا وهناك، بفتح «صنابير الدعم العمومي» السخي، فإنها في المقابل تتحاشى الحديث عن المصادر التي سيأتي منها هذا الدعم الذي سيكلف لامحالة اعتمادات مالية كبرى من الميزانية العمومية للدولة، لاسيما وأن قانون المالية 2022 لا يتضمن أيا من هذه النفقات الطارئة، ولا يأخذ في الحسبان المستجدات الوطنية والدولية التي خلطت جميع الأوراق والحسابات.
وتواجه ميزانية الدولة هذا العام تحديات خطيرة وغير مسبوقة تتمثل في محدودية الموارد بالمقارنة مع ارتفاع غير متوقع في حجم النفقات، وذلك بسبب التطورات المتسارعة على الساحة الدولية وتقلب أسواق المواد الأساسية، وهو ما سيكون له بلا شك تأثير مباشر على تدبير مالية الخزينة التي تشهد ضغطا غير مسبوق بفعل انهيار جميع الفرضيات التي بني عليها قانون المالية 2022.
وإذا كانت الحكومة قد بنت قانونها المالي على فرضية إنتاج 80 مليون قنطار من الحبوب، و67 دولارا لبرميل النفط، فإنها مدعوة اليوم إلى مراجعة جميع حساباتها بعدما قفزت أسعار النفط الخام إلى أكثر من 117 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014، فيما تحطم أسعار القمح يوميا أرقاما قياسية لم تسجل منذ 14 عاما، وهو ما يتزامن مع فترة جفاف حادة تنبئ بمنتوج فلاحي هزيل سيضاعف حاجة المغرب إلى الاستيراد.
وقد بدأت معالم العجز في ميزانية الدولة تظهر منذ الشهر الأول من العام الجاري، حيث كشفت بيانات أصدرتها مديرية الخزينة العامة، أن العجز المالي بلغ عند متم شهر يناير الأخير حوالي 3.7 مليار درهم عوض فائض تجاوز 3 مليار درهم خلال نفس الفترة من 2021.
وعلى الرغم من هذه الوضعية الحرجة، فإن الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، لايبدي أي شعور بالقلق عندما يؤكد في كل مناسبة « أن الحكومة لا نية لها في تقديم قانون مالية تعديلي، لأن للحكومة هوامش للتحرك، رغم ما يفرضه السياق الدولي.. وأن الحالة التي يمكن أن تلجأ لها الحكومة لتعديل قانون المالية هي توقف الحركة الاقتصادية والمداخيل وذلك ما تم مع الحكومة السابقة في سنة 2020 بسبب جائحة كورونا».
وإذا كان الوزير المنتدب بايتاس يعترف بنفسه بأنه في الوقت الذي «لن يكون هناك أي تأثير على مستوى المواد التي يمكن أن تحتاجها بلادنا، فإنه في المقابل سيكون هناك تأثير على مستوى الأسعار» فإن المراقبين مازالوا ينتظرون من الحكومة أن تفصح عن خطتها، أو بالأحرى «وصفتها السحرية» لمواجهة هذه التحديات المالية الطارئة دون أن تعدل قانون ماليتها، ودون أن تبحث عن موارد استثنائية لتمويل وعودها السخية، بعيدا عن اللجوء إلى الدين العمومي الذي وصل إلى مستويات قياسية.
وفي آخر تقرير له، دعا صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية إلى ضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين تصاعدية النظام الجبائي، والبحث عن موارد ضريبية جديدة مثل ضريبة الكاربون أو الأشكال الجديدة من ضرائب الثروة، بالإضافة إلى مراجعة الإنفاق الحكومي وتحديد أولويات الإنفاق وترشيده.
ورغم هذه الدعوات الداخلية والخارجية ، ترفض الحكومة فرض ضريبة محدد ودائمة على ثروة، رغم علمها بأن الدول الكبرى لطالما لجأت إلى الأغنياء في أوقات الأزمات الكبرى، ففي فترات ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، أقرت الدول الأوروبية واليابان، ضرائب على الثروة لتمويل إعادة الإعمار. ومؤخرا تبنت الأرجنتين، المثقلة بالديون التي تفاقمت بسبب الوباء، ضريبة خاصة على الأغنياء، مطالبة بما يصل إلى 3.5% من إجمالي صافي ثروة المواطنين الذين يمتلكون ما لا يقل عن 200 مليون بيزو من الأصول. كما أقرت بوليفيا المتعثرة «ضريبة ثروة» طويلة الأجل تطال أي شخص لديه أكثر من 30 مليون بوليفيانو (4.3 مليون دولار). ومع مواجهة بريطانيا لأكبر عجز في ميزانيتها المسجلة، أوصت لجنة ضريبة الثروة المستقلة بفرض ضريبة لمرة واحدة يمكن أن تطال الأشخاص الذين لا يتجاوز دخلهم 250 ألف جنيه إسترليني. غير أن الحكومة في المغرب لا يبدو أنها متحمسة للضريبة على الثروة أكثر من حماسها لتوطيد علاقتها مع الباطرونا والاستجابة لمطالبهم ودعمهم في أوقات الشدة.
عماد عادل
تعليقات
0