مطالبة المعتقلين السياسيين السابقين بشهادة رد الاعتبار لممارسة حقهم في تسيير الجمعيات قرار تعسفي 

عبد الحق عندليب الخميس 28 يوليو 2022 - 11:17 l عدد الزيارات : 19692

لا أفهم ما وراء مطالبة السلطات المحلية للمعتقلين السياسيين السابقين الإدلاء بشهادة “إعادة الاعتبار” كوثيقة من وثائق الملف القانوني للحصول على وصل الإيداع للجمعيات التي تنتخب من بين مسيري مكاتبها أحد المعتقلين السياسيين السابقين!!!!
ألا يعلم أصحاب هذا السلوك أن المغرب قد طوى صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وبأن ملك البلاد حين استقباله للراحل إدريس بنزكري رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة لتقديم تقريره النهائي حول المهمة التي كلفت بها الهيئة والمتمثلة في تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان تسوية عادلة ومنصفة تفتح إمكانيات المصالحة مع ماضي أليم عاشته بلادنا على مدار سنوات الجمر والرصاص؟
ألا يعلم أصحاب هذا التصرف أن المعتقلين السياسيين والمعتقلات السياسيات الذين واللواتي قبلوا بمبدأ ومقتضيات التسوية رغم ما تعرضوا له من انتهاكات قد تنازلوا عن حقهم الطبيعي في تقديم المنتهكين للعدالة وذلك لمصلحة الوطن؟؟؟ ألا يعلم أصحاب هذا التصرف غير العادل بأن هؤلاء الضحايا قد أنصفتهم-ن هيئة التحكيم المستقلة للتعويض وهيئة الانصاف والمصالحة حين أصدرت مقررات تحكيمية تثبت ما تكبده الضحايا من أضرارا جسيمة إثر تعرضهم للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وبالتالي قررت الهيئتان اللتان تعتبر قراراتهما غير قابلة للطعن قانونيا وسياسيا وأخلاقيا مهما بلغ شأن السلطة التي تسعى إلى ذلك؟
ألا يعلم أصحاب هذا التصرف بأن هاتان الهيئتان الدستوريتان قد قررتا تعويض هؤلاء الضحايا ماديا بل وجبر كل أضرارهم-ن المادية والمعنوية والصحية والإدارية من خلال إصدار توصيات لفائدتهم-ن تلزم الدولة بتنفيذها من أجل إقرار مبدأ الاسترداد أو محاولة محو آثار وانعكاسات وتداعيات الانتهاكات؟
وأخيرا أتسائل أليس في علم اصحاب هذا السلوك بأن قبول تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان قد تم بالتوافق بين الدولة والضحايا وذلك وفق تنزيل لمفهوم العدالة الانتقالية ولو في حدوده الدنيا والتي تعتبر المدخل الرئيسي للانتقال الديمقراطي السلس الذي اعتمدته العديد من بلدان العالم التي عانت من تداعيات وانعكاسات تسلط أنظمة عنصرية أو استبدادية أو ديكتاتورية؟؟؟
وأذكر أصحاب هذا السلوك المنافي لمبدأ المصالحة وطي صفحة الماضي بأن ميثاق التسوية، حسب ما جاء في التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، قد تضمن في توصياته
حث الدولة على القيام بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والقانونية الكفيلة بحماية بلادنا من أقدار تكرار ما حدث من انتهاكات وذلك في إطار وضع أسس الديمقراطية الحقة ودولة الحق والقانون.
إن بلادنا قد شهدت فعليا تطورات هامة في سياق تنزيل الإصلاحات المذكورة، منها على الخصوص المصادقة على دستور 2011 وإصلاح منظومة العدالة وتوسيع هامش الحريات والمصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
إلا أننا كمدافعين عن حقوق الإنسان بمفهومها الكوني الشامل لا نفهم بعض التصرفات التي تصدر بين الفينة والأخرى من طرف السلطات المغربية لتدبير العديد من الملفات لاسيما تلك المتعلقة بتنزيل الحماية والنهوض بحقوق الإنسان واحترام القانون والتخلي عن سياسة التعليمات الفوقية، ومن بين هذه التصرفات كما ذكرت عرقلة انخراط المعتقلين السياسيين في أعمال مدنية تطوعية لفائدة المجتمع ولمصلحة بلادنا حيث تدخل في صميم الحق الطبيعي لكل إنسان في حرية الانخراط في جمعيات المجتمع المدني وحق المشاركة في تسييرها وتدبير شؤونها، لذا فإن اشتراط ما يسمى بشهادة “إعادة الاعتبار” يعد إهانة لضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، حيث يتم اعتبارهم-ن مجرد مجرمين سابقين وليسوا ضحايا لانتهاكات تحملت فيها الدولة وأجهزتها المسؤولية السياسية والأخلاقية وذلك مما تسببت فيه من اعتقالات تعسفية واختفاءات قسرية وتعذيب وطرد تعسفي واستيلاء على الممتلكات ونفي إضطراري وغيرها من الانتهاكات التي تعتبر في منطوق القانون الدولي لحقوق الانسان انتهاكات جسيمة.
إن عدم رفع هذا الاشتراط المتمثل في مطالبة المعتقلين السياسيين السابقين تقديم شهادة “إعادة الاعتبار” مقابل حصول الجمعية التي يترأسونها او يساهمون في تسييرها هو مؤشر قد يفهم منه تراجع الدولة عن التزاماتها الحقوقية والسياسية والاخلاقية وعن مضمون المصالحة التي انخرط فيها الجميع دولة وأحزابا ونقابات ومجتمع مدني ومعتقلين سياسيين سابقين. إن الأمر يقتضي عاجلا إعادة النظر في مثل هذه المواقف والتصرفات غير المفبولة من طرف الدولة حفاظا على مصداقيتها وتقوية لمسار الإصلاحات التي دشنتها ودعما لللتدابير والإجراءات الوقائية من كل أقدار العودة إلى الماضي الأليم الذي كانت كلفته باهضة الثمن على بلادنا وشعبنا.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 6 يوليو 2025 - 16:36

دار الحكيم”.. معلمة طبية جديدة ترى النور بالدار البيضاء لتعزيز العرض الصحي وتخليق الممارسة الطبية

الأحد 6 يوليو 2025 - 14:02

السويد تضع “قيم المهاجرين” تحت المجهر: اندماج على الطريقة الاسكندنافية أم اختبار للولاء الثقافي؟

الأحد 6 يوليو 2025 - 13:57

الرباط.. تنظيم حفل ديني احتفاء بالعام الهجري الجديد

الأحد 6 يوليو 2025 - 13:08

المغرب يعزز قدراته الجوية: شراكة مع الولايات المتحدة لتحديث طائرات C-130H

error: