الأطر التعليمية بخنيفرة تتساءل: مدرسة متشفسان هل هي مؤسسة أم إسطبل؟ والمديرية تخرج ببلاغ
أحمد بيضي
الجمعة 26 أغسطس 2022 - 18:39 l عدد الزيارات : 21512
أنوار بريس:
على بعد أيام قليلة جدا من افتتاح الموسم الدراسي الجديد،اشتعل غضب الأطر التعليمية العاملة ب “مدرسة متشفسان”، مع توجيه نداءات قوية للمديرية والأكاديمية، على خلفية الحالة المتردية لبناية المؤسسة، وفي هذا الصدد لم يفت الأستاذ والفاعل المدني، هاشم علوي، التقدم لجريدتنا بمقال حول الوضع الذي توجد عليه المؤسسة المشار إليها، فيما أسرعت المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بتعميم بلاغ وصفته ب “التوضيحي” ردا على ما تم تداوله بخصوص الموضوع، وهو البلاغ الذي رد عليه البعض بكون “مدرسة متشفسان” غير مبرمجة ضمن المؤسسات المرشحة للتأهيل ليشتد الجدل القائم.
رسالة من الأستاذ هاشم علوي:
“..قبل أن نشرع في الحديث عن “مدرسة متشفسان”، بمدينة خنيفرة، نستحضر أولا ما قاله عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيير بورديو حتى نتموقع في روح الموضوع، يقول بورديو: “إن حرب الأغنياء على الفقراء تبدأ في المدرسة”… هذا الطرح الذي لا يمكن أن يرتفع بعد أن صار واقعا ظاهرا للعيان، وهو ما سنشير إليه ضمن هذه الورقة حول مدرسة الفقراء: “متشفسان” التي تدرس بها أكثر من 80% من ناشئة الطبقة الفقيرة والمسحوقة التي تقطن حي الكورس بخنيفرة.
الموضوع يأتي بدرجة أولى في سياق لفت انتباه الجهات المسؤولة على الشأن التربوي إلى ما أصبح عليه حال “مدرسة متشفسان” كواحدة من بين المدارس الشعبية بالمدينة، وصفا لما صارت عليه بنايتها، وضعٌ لا يؤكد للمتأمل إلا أمرا واحدا هو: الاستهتار الواضح بوعي ساكنة حي الكورس عموما، و بتلاميذ الابتدائي القاطنين بهذا الحي المغضوب عليه خصوصا …
يتعلق الأمر في نظرنا بنسيان مقصود لهذه المدرسة (…) إنها الرسالة التي يُراد لنا فهمها من هذا الوجه الكئيب والمترهل للمؤسسة منذ مدة طويلة، فما الذي يمنع من اصلاح المؤسسة وجعلها فضاء تربويا لائقا بذكاء أبنائنا إحقاقا لحقهم في فضاء تربوي وبيداغوجي محترم في ظل شعارات الدولة وبرامجها الإصلاحية الرامية إلى الجودة و الارتقاء …؟.
هنا بمتشفسان 2022 جدار الواجهة المائل غاية الميلان، جدار أتعبه الوقوف فصار آيلا جدا للسقوط، جدار يُنتظر منه السقوطُ على رؤوس أطفال أبرياء على غرار فاجعة “قصر الطاوس”، بالريصاني، عندما هزنا خبر موت ثلاثة أطفال صغار بعد أن انهار فوق رؤوسهم جدار مستوصف حين لاذوا إليه ليحتموا من أشعة الشمس الحارقة (شمس الهامش طبعا)، و أنت بجوار المدرسة تتأمل هذه الفسيفساء ، تشعر مباشرة أنك إزاء تحفة أثرية، أو إزاء واحدٍ من المآثر التاريخية التي خلفها عهد الاستعمار؛ مدرسة من حقبة “ماقبل الكمبري”…
أصباغ باهتة و”الدنيا كاملة مقشرة” بواجهات أصابها البرص، تتفرس جيدا لترمق لوحة قصديرية فوق باب تلك التي تحمل اسم المؤسسة وقد أصابها المَهَق، … قضبان حديدية صدئة متآكلة، تخبر عن حِداد وشؤم فظيعين، قضبان تحكي مرارة الإهمال الذي لن يعكس قلب المؤسسة طبعا.
“مدرسة “محرتكة” بلا وجه، ألوان باهتة منذ عهد وزير الداخلية / التربية السابق ‘حصاد’ صاحب حملة الماكياج الشهيرة على المدارس المغربية التي شنها من أجل إخفاء الحقيقة الداخلية للمؤسسات؛ لكن المؤسف في الواقع -وكما هو معروف- أن الماكياج لا يلغي الحقيقة، بل يؤجلها فقط. ألوان كئيبة بطعم الوان بطعم السجون، مؤسسة ‘تربوية’ لا شيء من مظهرها يوحي بالتربوي .
غير بعيد، عن هذه المدرسة ، (-من المفارقات العجيبة) أن ترصد عيناكَ، وأنت تتوسط “ساحة الكورس”، ذلك المكعب التربوي المزوق، وهو يتجلى مركبا مدرسيا هائلا ، ملونا جيدا، Un Complexe Scolaire Gigantesque bien Coloré، تصرخ ألوانه في تميز عن لون تربة الحمري لساحة الكورس، وعن لون الآجور الذي يغلب على لون الحي المنكوب، هناك حيث يدرس أطفال ليسوا كأطفال الكورس، أطفال بملامح أخرى ليست كملامح أبناء حي السباق، أطفال يتم تدريبهم على أنهم ليسوا مثل أطفالنا.
هناك حيث يتمظهر الميْز الطبقي كل يوم عند الساعة 13:00 بعد الزوال: نساء فقيرات معدمات ينتظرن أمام “مدرسة/ معتقل متشفسان” الذي يلفظهم في شكل إسهال عنيف، ينتظرن السجناء الصغار من أجل تأمينهم والعودة بهم إلى منازلهم الضيقة: هنا الكورس، السجن الكبير، فيما ينتظر كل من les papas et les mamans أبناءهم داخل سيارات قرب المركب الخاص الملون الهائل… لاحظ جيدا: فبالإضافة إلى هذا القصف المادي ، نجد أنفسنا أمام قصف معنوي هو: ولادنا حنا ماشي بحال ولاد الكورس.
إن الناظر من قدامى تلاميذ “مدرسة متشفسان” يبكي حال مدرسته التي غدت تشبه منزلا لما بعد حروب سوريا او العراق … بعدما كانت مدرسة متشفسان، إلى عهد قريب، في طليعة مدارس خنيفرة أداء و عطاء، المدرسة التي تخرج منها مجموعة من كوادر الوطن وأطره، من أساتذة و أطباء، و رجال أمن وعساكرة ، ومهندسين رغم كون دلالة اسم المدرسة بالأمازيغية يحيل إلى *الأرض التي لا تنبت زرعا*… ، لكن أريد لها أن تصبح على هذا الوضع المأساوي، لقد استحالت مع الأسف إسطبلا محققا، علما أن المدرسة تقع داخل المجال الحضري لخنيفرة وتوجد أمام مرآة المسؤولين و تتاخم مراكز قرارهم..
نطرح السؤال دائما: كيف يمكن للمعنيين بالشأن التربوي، إقليميا وجهويا ومركزيا، الصبر على مشاهدة مدرسة على وشك الانهيار عوض مسابقة الزمن للنهوض بها إعمالا لمبدأ استباق الخطر الافتراضي !؟ و كيف يمكن الوقوف أمام حالة مؤسسة تربوية بقيمة “متشفسان” بهذا الوجه المدمر الذي يبكي الناظرين ؟، ألم يتم طرح السؤال حول نفسية التلميذ ووليه وهما يقبلان على هذه المؤسسة كل صباح / طيلة موسم دراسي كامل؟.
إن مشاهدة هذا المعتقل التربوي كل يوم، لا يمكن أن يشعر تلاميذنا بالأمان الذي يعد شرطا أساسيا خلال فترة التمدرس بالسلك الابتدائي لسيكولوجية الطفل داخل المؤسسة التربوية، بقدر ما يبعث على النفور والهجر وينغص النفس ليسير بذلك امتدادا للعنف السائد داخل الحي، مشهد المؤسسة اليوم يساهم بنجاح في مواصلة تهريب المدرسة العمومية من ذهننا، ويعمل على النأي بها بعيدا للتطبيع فكرة الرأسمالية الساقطة : “الپريڤي هو القراية”؛ فكيف يمكن أن تكون متشفسان ما بعد القصف فضاء تربويا، ومستنْبَتا للفعل البيداغوجي الواعد بعد القصف ؟.
إن الاستخفاف ب “مدرسة متشفسان”، وغض الطرف عن إعادة تأهيل المؤسسة والنهوض بها حتى تتلاءم مع الدور المنوط بها كمؤسسة تربوية، هو استخفاف بوعي ساكنة الكورس وبناشئتها (ناشئة من الدرجة الثانية)، وحكم مبيت على الهامش بضرورة الاحتفاظ على موقعه كهامش، كنوع من الجزاء ل “سكان الكورس؟؟؟.
وختاما، تجدر الإشارة، على سبيل الفكاهة، الى أن كتابة هذا الموضوع قد تزامنت مع وقت غرد فيه رئيس الحكومة في مجلس وزاري بقوله: إنه سيتم الشروع في تنزيل الاجراءات المتعلقة بخارطة طريق “مدرسة ذات جودة للجميع” تماشيا مع مقترحات المشاورات الموسعة التي تم اطلاقها خلال شهر ماي المنصرم لسنة 2022، السؤال هنا: ماذا كان نصيب “مؤسسة متشفسان” من مشاورات ماي المنصرم غير الإهمال و النسيان..؟ الجواب: أن تلاميذ مدرسة متشفسان بحي الكورس خارج بلفظ ‘الجميع’ الذي جاء في كلام رئيس الحكومة لأنهم تلاميذ خارج التاريخ والجغرافيا..”..
بلاغ المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية:
“على إثر تداول بعض المواقع الإلكترونية لخبر يتعلق بحالة سور “مدرسة متشفسان”، ببلدية خنيفرة، تتقدم المديرية الإقليمية بالتوضيحات التالية:
سبق للمديرية الإقليمية أن كلفت مكتبا للدراسات ومختبرا لإجراء خبرة حول بناية المؤسسة المذكورة والسور الوقائي المحيط بها.
على إثر ذلك، تمت برمجة تأهيل شامل للمؤسسة وتم الاعلان عن الصفقة الخاصة بهذا التأهيل.
تحت عملية فتح أظرفة الصفقة المتعلقة بتأهيل المؤسسة المذكورة، وتقييم العروض، يوم 22 يوليوز 2022 وستنطلق الأشغال مباشرة بعد المصادقة على الصفقة من طرف مراقب الدولة.
والمديرية إذ تقدم هذه التوضيحات، تدعو الجميع إلى تحري الدقة والموضوعية في تناول ما يتم نشره والتأكد من صحة الأخبار من المصالح المعنية المسؤولة”..
تعليقات
0