انتكاسة دستورية بإقليم بركان: من التدبير الحر إلى التدبير المتغول.
أنوار بريس
الإثنين 19 سبتمبر 2022 - 09:28 l عدد الزيارات : 13360
عبد المنعم محسيني
حققت المملكة المغربية، من خلال دستور 2011، تحولات عميقة ونوعية في مجال اللامركزية، حيث خصص الباب التاسع منه للجهات والجماعات الترابية الأخرى. وتتمظهر هذه التحولات النوعية الجادة والناجعة، في مسألتين أساسيتين، الأولى ترتبط بطبيعة النص التشريعي المنظم للجماعات والذي ارتقى إلى درجة قوانين تنظيمية، بدل قوانين عادية؛ والثانية ترتبط بتكريس مبدأ التدبير الحر الذي ينبني في مفهومه الجوهري على إعطاء مزيد من السلطات والصلاحيات لمكونات اللامركزية، من خلال تقليص ما أمكن بعض مظاهر الوصاية أو التدخل في مداولات مجالسها. وفي هذا الإطار، نص الفصل 136 من ذات الدستور على مبدأ التدبير الحر، وهو المبدأ الذي حددت قواعد حكامته ومدلوله، فيما يخص الجماعات المحلية، مقتضيات المادة 269 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. وباستقراء مقتضيات هذه المادة، يتضح أن مدلول التدبير الحر يقوم على أساس مجموعة من القواعد المهمة التي تجد تأصيلها في الدستور ذاته، منها مبدأ ترسيخ سيادة القانون المنصوص في الفصل السادس من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، وهو المبدأ الذي يكرس في جوهره سمو القانون، سواء في النطق التشريعي أو التنفيذ الحكومي أو التطبيقي القضائي، إيمانا من كون الدولة المغربية، ترقى عن الدولة القانونية إلى دولة القانون والمؤسسات التي تعترف بمسؤوليتها القانونية ليس فقط عن أعمالها الإدارية والقضائية، بل حتى عن أعمالها التشريعية، تكريسا لسمو القانون عن جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومساواة جميع الأشخاص، حتى العموميين، أمامه. وفضلا عما سبق ذكره، يعتبر ترسيخ سيادة القانون في التدبير العمومي، مؤشرا حاسما على تنزيل حقيقي وواقعي للديمقراطية والتشاركية، باعتبارهما من المقومات الأساسية للمفهوم الجديد لممارسة السلطة العمومية. فبدون ترسيخ لسيادة القانون، تنكسر هذه المقومات ونصبح أمام ليس فقط إخلالا بالقانون، وإنما انتكاسة دستورية تنتهك فيها المرتكزات والمبادئ الدستورية التي جاء بها دستور 2011. إنها الانتكاسة التي طغت على التدبير العمومي المحلي بإقليم بركان، حيث تم تقويض مبدأ التدبير الحر الذي تهشم على أنقاض تكسير وتحطيم مبدأ سيادة القانون؛ وهو الأمر الذي تجسده ثلاث مظاهر أساسية، هي: المظهر الأول: تحويل الاستثناء إلى أصل عام. يتضح بالرجوع إلى مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات، أن مشرعه وتكريسا لمبدأ التدبير الحر، أن المجالس الجماعية تتداول في جداول أعمالها وفق طريقة ديمقراطية في ثلاث دورات عادية؛ كما يتضح أنه تحسبا لظروف طارئة واستعجالية لا يمكن انتظار التداول فيها خلال الدورات العادية، أرسى المشرع في المادتين 36 و 37 من ذات القانون التنظيمي على إمكانية عقد دورة استثنائية كحل كفيل لمعالجة القضايا الطارئة والاستعجالية. وبصرف النظر عن التمسك بحرفية النص، والذي تطرق في المادتين 36 و 37 السالفتي الذكر لمصطلح دورة استثنائية بصيغة المفرد، وليس بصيغة الجمع، فإن الملاحظ أنه الأصل أصبح استثناء والاستثناء أصبح أصلا ، إذ تم عقد حاليا سبعة دورات استثنائية في مجملها بطلب من السيد عامل الإقليم يحدد فيها نقط جدول أعمالها، علما أن الدورات العادية محددة بنص صريح في ثلاث دورات؛ وهو الأمر الذي يقوض مبدأ التدبير الحر. المظهر الثاني: الزيغ في تمثيلية المساهمين بأجهزة شركة التنمية المحلية. يتبين بالرجوع لمقتضيات المادة 130 من القانون التنظيمي للجماعات، أن مشرعه نص على إمكانية إحداث شركات للتنمية المحلية على شكل شركات المساهمة من أجل ممارسة الأنشطة التجارية والصناعية المنوطة بالجماعة. وإذا كان اللجوء إلى آليات التدبير لدى القطاع الخاص في معالجة بعض إشكالات التدبير العمومي، يظل أمرا محمودا وناجعا، فإن الحفاظ على الخصوصية العمومية واحترامها يزيد من اللجوء نجاعة وفعالية منجزة. ويقتضي الحفاظ على الخصوصية العمومية، احترام قواعد حكامة التدبير الحر، بما يفرض من تسييج لسلطة الوصاية والرقابة، وحيلولة دون امتداد لهذه السلطات على النحو الذي يهشم أبعاد وغايات اللامركزية. وفي هذا الإطار، نصت مقتضيات المادة السالفة الذكر، على أن الجماعة المساهمة في رأسمال الشركة تنتدب ممثلا عنها في مجلس إدارة الشركة، وذلك تحصينا للشخصية القانونية المستقلة لكل من الجماعة وشركة التنمية المحلية. وإذا كان المشرع لم يحدد الطبيعة القانونية لممثل الجماعة، والذي غالبا ما يكون من بين أعضائها المنتخبين، فإن الأهم هو ألا يكون هذا الممثل من الأشخاص الذين يخضعون لحالات التنافي الحكمي بفعل ممارسته لسلطة الرقابة أو الوصاية؛ وهو الأمر الذي ينطبق على التمثيلية التي يمارسها السيد عامل الإقليم باعتباره رئيسا لمجلس إداراتها، وفق الشائع والمتداول في النقاش العمومي، والذي يطرح معه التساؤل حول هذه التمثيلية هل هي ذات طابع وظيفي أم ذات طابع شخصي خاص، علما أن ذات المادة لا تسمح إلا بالشراكة مع الشخصيات الاعتبارية الخاضعة للقانون الخاص……. إن كان الأمر كذلك، فإنها لن تعدو سوى انتكاسة دستورية؟ المظهر الثالث : تجزئة رأسمال الشركة أو خرق منع المساهمة في رأسمال شركات أخرى احتد النقاش مؤخرا حول تقسيم الشركة إلى شركات مثل حركية بركان وبيئة بركان، غير أنه بصرف النظر عن عدم وجود آلية في قانون الشركات لتقسيم رأسمال الشركة، فإن الأمر قد يتعلق بالمساهمة في رأسمال الشركة، وهو الأمر الممنوع بموجب الفقرة الرابعة من المادة 131 من القانون التنظيمي المذكور؛ الأمر الذي يطرح معه التساؤل حول المصير القانوني والأبعاد القانونية للفروع المحدثة؟
تعليقات
0