حسام الدين نوالي ينقل المدينة من المكان إلى النص في ضوء الكتابة الروائية
أحمد بيضي
السبت 15 أكتوبر 2022 - 16:18 l عدد الزيارات : 27863
أنوار بريس
ضمن منشورات مكتبة سلمى الثقافية، صدر، حديثا، للناقد حسام الدين نوالي (الحسين والمداني) كتابه النقدي الثاني (المدينة في الكتابة الروائية: من المكان إلى النص)، بعد كتاب (العقل الحكائي) الذي صدر عن مؤسسة فالية سنة 2016.
وتنطلق فكرة الكتاب من كون المدينة أفرزت أشكالا سردية والتصقتْ بها، بحيث أن التاريخ الإبداعي يكاد يجزم أن “النضج الفني للسرود العربية التراثية ارتبط بعملية التدوين التي نشأت مع نشوء مدن المشرق العربي من جانب، وارتبط ظهور الرواية الأوربية بعصر الطباعة وازدهار المدن في أوربا من جانب آخر”، ليتم بعد ذلك ارتباط الرواية في الأدب العربي الحديث مع اكتشاف المدنية الغربية الغازية.
ومن هنا يسعى إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة، وهي:
كيف يتمظهر الوعي بالمكان (ومنه المدينة) في السرد الروائي الحديث؟
إلى أي مدى استطاعت الرواية أن تقدّم موقفها من المدينة؟
ثم إلى أي حد استطاعت الرواية المغربية استيعاب تحولات الأمكنة والوعي بها، لبناء تصوّر للذات وللمكان استنادا إلى متغيرات التمدّن والحداثة؟
وهل يمكن للدارس تتبّع حضور المدينة في الرواية من خلال كل المكونات السردية (اللغة، الشخصية، الحوار، الأشكال الطباعية…) فضلا عن المادة الحكائية؟
ولرصد هذه الصّلات والتمثيل لها، فقد تتبّعها الكاتب داخل مجموعة من الأعمال الروائية التي تتنوّع زمانيا وجغرافيا وجماليا، مستعينا بالتحليل والمقارنة لاستخلاص حضور المكان أو المدينة أو مؤشرات تموقُع الروائيين واختياراتهم التخييلية في بناء مواقفهم منهما ومدى تمثّلهم ووعيهم بهما.
ويأتي الكتاب مقسّما إلى فصلين، فصلٌ يُعنى بالتشكيل المكاني عموما، في الإبداع الإنساني ثم في السرد الحديث الغربي والعربي، وصولا إلى أشكال الوعي بالمكان في الرواية المغربية الحديثة، فيما يُعنى الفصل الثاني بالمدينة في الإبداع السردي، بدءاً من الرواية التقليدية في الغرب وعند العرب، ووصولا إلى تشكيلها المكاني في الرواية الحديثة عامة، ثم انتهاءً بتجلياتها في الرواية المغربية الحديثة تخصيصا.
ويخلص الكتاب إلى أن المكان لم يثبُت تشغيلُه في الرواية على حال واحدة، ولكنه كان يتحوّل من فترة لأخرى، وهو مايمكّن الدارسَ أن يكتشف فيه هذا التشغيل ترسبات الاتجاهات الفلسفية والفكرية المهيمنة، وصدى الوعي النقدي السائد في كل فترة؛ وأن تطوُّر التعامل مع المدينة في الرواية يتناغم مع تطوّر التعامل مع المكان بشكل عام..
ولهذا يتخذ حضور المدينة داخل النصوص الروائية الحديثة مستويين:مستوى يعتبرها مكانا أساسيا تنهض به الرواية، وترتكز عليا في البناء السردي باعتبار أنها مكان راهن ييسّر التعامل مع الشخصيات والأحداث؛ مستوى ينقلها من التسريد إلى التخطيب، فيجعلها تنخرط في حمل خطاب النص، ونقل الفكرة، والمحاججة عليهما، مما يجعل هاجس الاشتغال، ليس نقل المدينة ذاتها من الواقع إلى النص الروائي، ولكن نقل روح المدينة، وفكرة المدينة، بحيث تنسحب هذه الروح على جميع المشكّلات السردية.
(°) قاص وناقد، من أعماله “العقل الحكائي: دراسات في القصة القصيرة بالمغرب” ومجموعتي “الطيف لا يشبه أحدا” و”احتمال ممكن جدا”
تعليقات
0