في الحاجة إلى كتاب مدرسي جديد: قراءة في “الكتاب المدرسي: مسارات وتجارب وانتظارات” لعبدالمالك أشهبون
أحمد بيضي
الإثنين 17 أكتوبر 2022 - 20:30 l عدد الزيارات : 56335
جميلة حمداوي
يعد الكتاب المدرسي وسيلة ديداكتيكية هامة في العملية التعليمية التعلمية، وركيزة أساس يستند إليها المعلم في عملية النقل الديداكتيكي للمعرفة العالمة؛ لذلك لا يمكن تعويضه بوسيلة أخرى إلا إذا كان من أجل إغناء النقاش داخل القسم وإثرائه. بالإضافة إلى ذلك، فهو حامل قيمي بامتياز، فهو القالب الذي تستند إليه المنظومة بأكملها من أجل إرساء القيم الأساس التي تمكن المتعلم من الاندماج السلس في المجتمع، كما توجه مساره وتجعله يمتلك آليات اختيار مساره الدراسي والشخصي.
وهذا بالضبط ما جعله يضطلع بمجموعة من الوظائف التي جعلته يتبوأ هذه المكانة، فهو علاوة على كونه مصدرا للمعلومات والمعارف المتعددة يضطلع كذلك بوظيفة خلقية تتجلي في ترسيخ القيم الخلقية والاجتماعية والثقافية التي تتبدى من خلال تعرف المتعلم على مكانته في المجتمع، ومن خلال تمييزه بين الخير والشر، ومن خلال تعرفه البنيات الثقافية للحضارات الأخرى وتعزيز قيم التعايش والتضامن والتآزر وتقبل الآخر مهما كانت ثقافته.
إن هذه المرتبة التي يتبوأها الكتاب المدرسي والأهمية التي يحظى بها؛ هو ما جعل هذا الكتاب (الكتاب المدرسي مسارات وتجارب وانتظارات) (°) يرى النور على يد الدكتور عبد المالك أشهبون، ثم إن الكاتب مشكورا قد رأى ضرورة إخراج هذا الكتاب إلى الوجود بناء على الإشكالات والأسئلة المقلقة التي راودته، ثم لملء الفراغ الذي يعاني منه مجال إنتاج الكتب المدرسية وملاءمتها للعصر الراهن، فما أحوجنا لهذا النوع من الدراسات النقدية البناءة التي تشجع على تطوير العملية التربوية!
في هذا السياق يقتحم الدكتور عبد المالك أشهبون كتابه بملاحظة دقيقة حول ضرورة خضوع الكتاب المدرسي إلى التقويم والتمحيص، ويقصد بذلك تصحيح المغالطات التاريخية والكشف عن الأخطاء العلمية وإظهار التناقضات المنطقية، فعملية النقد هذه صحية ومجدية وستعود بالفائدة على المنظومة بأكملها نظرا للدور الذي يضطلع به الكتاب المدرسي في بناء متعلم اليوم وإنسان الغد.
لذلك، فإن تقويم الكتاب المدرسي يحتاج أولا إلى موضوعية في التقصي والبحث في دقة المعطيات التي يقدمها، مستندا في ذلك إلى آراء الأساتذة الممارسين في الميدان وتجاربهم حول العديد من القضايا التي ظلت راسخة في أذهانهم والتي تعوق العملية التعليمية التعلمية، ولكونهم أهل الاختصاص، فهم العالمون بتفاصيل هذه العملية وأسرارها.
قلنا سابقا إن الكتاب المدرسي هو القالب الذي يمكن من ترسيخ القيم الأساس للمتعلم من أجل الاندماج في المجتمع، لكن في الآن نفسه يمكن أن تسرب عبره مجموعة من القيم التي لا تمت للأخلاق بصلة، ونقصد تلك التي تروم ترسيخ رؤية المستعمر لدى الشعوب المستعمرة من خلال المؤسسات الثقافية والتعليمية بشكل عام، كما أشار إلى ذلك الكاتب في كتابه.
لذلك فإن السياسة الاستعمارية كان عليها موازاة مع القوة العسكرية أن تضمن استمراريتها فكريا وثقافيا؛ لذلك كانت التربية هي البوابة الرئيسة لذلك ” ولا يمكن لهذه الاستراتيجية أن تتأسس إلا على التربية والتعليم (1)”. إن التربية إذن كانت أداة للدعاية والترويج للشعارات والأفكار التي لطالما رددتها سلطة الحماية واعتبرتها مبررة للاستعمار وأهدافه التي تروم نقل أسباب التحضر للشعوب التي تقع تحت حمايتها ووصايتها وسيطرتها من جهة أخرى.
ثم إن الهدف من السياسة الاستعمارية هي أن ينسلخ الإنسان عن قيمه وهويته وأخلاقه ليصبح نسخة أخرى عن الإنسان الذي يوجد في فرنسا، إلا أن هذا يعيش في بلده الأم ولا يشبهه إلا في تبعيته وليس في حقوقه التي يتمتع بها.
ثم إن ما زاد الطين بلة في تلك الفترة من الزمن هو استقدام الكتب الأجنبية وتدريسها لأبناء الوطن المغربي (الكتب العربية من بلدان عربية والفرنسية من دول أوربية). وأقل ما يمكن قوله عنها ما قاله الأستاذ محمد حمودو أنها” كتب مدرسية تحمل مضامين غربية عن المجتمع المغربي (2)”. ثم إن هذه الكتب تساهم في انسلاخ المتعلم عن جلده وإبعاده عن هويته الأصلية ووطنيته وتعاطفه مع ثقافات أخرى لا تمت إليه بصلة.
ارتبطت عملية تأليف الكتاب المغربي بفترة تاريخية هامة، تمثلت في انسلاخ المغرب عن فرنسا بعد حصوله على الاستقلال، وهو ما صاحبه المناداة باعتماد المبادئ الأربعة الشهيرة أنذاك: المغربة، التعريب، التوحيد، والتعميم وذلك من أجل إرساء نظام تربوي وطني محض.
وهكذا توالت المخططات التي تهدف إلى إصلاح التعليم بالمغرب بدءا بالمخطط الخماسي (1960-196) الذي هدف إلى صياغة مضامين عربية إسلامية تستجيب لواقع المجتمع المغربي، واعتماد التعريب كشرط لتوحيد التعليم. ثم إن هذا الكتاب يتضمن القيم التي تلائم طبيعة الوطن للدفاع عنه.
وهكذا تم إنتاج مجموعة من الكتب المدرسية العربية كسلسلة اقرأ لأحمد بوكماخ، والتلاوة العربية للمدارس المغربية، وكتاب الأدب والنصوص، والتلاوة المفسرة…
ثم تلتها بعد ذلك مرحلة تأليف الكتاب المدرسي الوحيد في المدرسة المغربية، حيث قررت الوزارة المعنية توحيد كتاب واحد في كل سلك مدرسي، بعد هذه المرحلة كانت هناك محاولات عديدة وتطورات وصلت إلى إصلاح الكتاب المدرسي استنادا إلى مرجعية بارزة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نص على شرط الجودة والتبسيط والمرونة.
بعد ذلك جاءت مرحلة الكتب المدرسية المتعددة منذ سنة 2000؛ بهدف تكسير نظام الكتاب الوحيد، ومنح الأستاذ السلطة الكاملة لاختيار الكتاب المناسب والملائم لحاجات التلاميذ، بالإضافة إلى أدلة الأساتذة للاطلاع على المستجدات والدعامات الأساس لتوظيفها بالشكل الأمثل في برنامجهم البيداغوجي حسب ما أشار إليه الدكتور عبد المالك.
فبعد سنوات طويلة من الكتاب الوحيد تم الانتقال إلى الكتاب المتعدد لتجاوز تنميط التعليم وروتينيته، لكن الكتاب المتعدد أيضا لم يخل من السلبيات التي انعكست على جودة العملية التعليمية التعلمية، خاصة، ما طرحه مشكل الوفرة من مشاكل على مستوى التلقي، ثم على مستوى النشر أيضا ” إذ ساهمت وفرة الكتب المدرسية في خلق بلبلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التعليم المغرب (3)”. على حد تعبير الباحث التربوي عبد الكريم غريب.
لذلك؛ نبه الأستاذ والباحث في علم النفس التربوي إلى بعض الاختلالات التي تشوب الكتاب المدرسي المتعدد أبرزها بطء مضامينه التي تجعله لا يقدم إلى المتعلم الجديد واقعه المعيش ليتعلمه ويستفيد منه، بمعنى آخر إن مضامين الكتب المدرسية لا تساير تطورات العصر؛ ما يجعلها متأخرة جدا، وهذا يؤثر على تعلمات المتعلم، فما معنى أن يعيش المتعلم في عصر الثورة الرقمية وألا يصاحبه ذلك في المقررات والكتب المدرسية التي لا تزال تستنجد بالنصوص القديمة التي كانت قبل عصر الانترنيت والصورة البصرية. وفي هذا الصدد أكد الكاتب على ضرورة مسايرة هذه الثورة في مجال التربية؛ وذلك لمسايرة التطور الذي تعرفه باقي الدول التي تحتل مراتب متقدمة في مجال التربية والتعليم.
إن الثورة التكنولوجية الرقمية أثرت على نظام المجتمعات وخصوصياته، إذ عرفت هذه الأخيرة مجموعة من التحولات العديدة؛ ما أدى إلى تغير نظام العمل بها، فالرقمية اكتسحت كل المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. ومن هنا جاءت الحاجة الملحة إلى ضرورة إجراء تطوير تربوي شامل وخاصة في الكتب المدرسية والمناهج والمضامين، وذلك لتعدد مصادر المعلومة وتوفرها بشكل كبير، إذ لم يعد الكتاب التقليدي المصدر الوحيد للمعلومة بعد الآن، هذا بالضبط ما جعل التلميذ؛ خاصة، بعد تفاعله المستمر مع الألواح الإلكترونية والهواتف والحواسيب المحمولة يشعر بغربة الكتب الورقية وثقلها، كأنه يشعر أنها لم تعد تنتمي إلى العصر الذي ينتمي إليه، وهذا بالضبط ما جعل رغبتهم في قراءة القصص والروايات قليلة جدا، وبالتالي تراجع مستوى القراءة. بصيغة أخرى، إن المدرسة بوسائلها التقليدية تواجه تحديات كبيرة اليوم بفعل المنافسة التي تشكلها القنوات الجديدة التي تسهل الولوج إلى المعلومات في أي زمان ومكان.
إن كل ما ذكرناه سابقا يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية مسايرتنا للثورة الرقمية، ونسبة تفكير الوزارة الوصية في موضوع الكتاب الرقمي خاصة وأن كل المؤشرات تؤكد على ضرورة اللحاق بركب العالم الرقمي وإفساح المجال أمام الكتاب الرقمي، ثم إن هذا الأمر سيحل مجموعة من المشكلات؛ أولها: المشاكل الصحية للمتعلم الذي يحمل فوق ظهره عددا كبيرا من الكتب، ثم إن هذا الأمر سيخفف العبء على الأسر أيضا؛ ما سيجعل تكلفة العملية التعليمية منخفضة. هذا بالإضافة إلى التمكن من مسايرة جميع التطورات وتحيين المعلومات في ذهن المتعلمين؛ ما سيجعل الكل (معلمين ومتعلمين) شركاء في العملية التعليمية التعلمية.
إن الكتب الرقمية ستغير من النظرة التقليدية للمدرسة المغربية التي دائما ما يتم اختزالها في ” السبورة، الطباشير، الكتاب المدرسي، ثم العلاقة العمودية بين المعلم والمتعلمين إذ سيتم التعامل مع المتعلمين كأفراد ناضجين مشاركين في بناء التعلمات واكتساب القيم الأساس من أجل الاندماج السلس في المجتمع الرقمي.
إن هذه المسألة تحتاج تضافر جهود كل الشركاء الذين يبدون نيتهم الكبيرة في إصلاح التعليم أولا، ثم إصلاح بنياته التقليدية التي لم تعد تساير العصر، ثم إن هذه المسألة تتطلب جرأة كبيرة وسرعة في الأجرأة؛ لأن كل تردد، أو تعثر سنحصد نتائجه في المستقبل ثم سينعكس سلبا على مستقبل متعلمي اليوم رجالات الغد، خصوصا وأن الرقمنة اكتسحت جميع المجالات لذلك سيبدو كأن المدرسة بعيدة كل البعد عن متعلميها، وهذا يتنافى وأهدافها في مسايرة تطورات العصر.
(°) صادر عن مركز الأبحاث السيميائية والدراسات الثقافية”، سلسلة مداخل معرفية وتربوية، مطبعة أنفوـــ برنت، فاس، 202
1) لحسن مادي: “السياسة التعليمية بالمغرب ورهانات المستقبل”، منشورات مجلة علوم التربية (المغرب) 1998 2ص18
2) محمد حمودو: المحطات الكبرى لتاريخ الكتاب المدرسي المغربي، مجلة علوم التربية (المغرب) العدد 61، يناير 2015 ص11
3) عبد الكريم غريب: “نجاعة منظومة التربية والتكوين في ظل العولمة، مجلات علامات تربوية (فاس) العدد:22-2009، ص 12 نقلا عن كتاب “الكتاب المدرسي مسارات وتجارب وانتظارات، ص37
تعليقات
0