نجاح ملك المغرب في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية

محمد اليزناسني الأحد 5 مارس 2023 - 22:48 l عدد الزيارات : 25137

عبد السلام المساوي

1- نجاحات الديبلوماسية المغربية
لا أحد يمكنه أن ينكر نجاحات الديبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، سواء في ما يتعلق بقضية الأقاليم الجنوبية أو في تحقيق مكانة محترمة للمملكة المغربية على المستوى الإقليمي والقطري والجيواستراتيجي .
لقد حققت المملكة المغربية انتصارات متوالية ديبلوماسية وميدانية في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية .
وأن الدور المحوري للديبلوماسية المغربية ليس من قبيل المبالغة وتضخم الذات ، وليس من باب الصدفة أو المفاجأة ، إنها تحصيل حاصل لمسار طويل وهادىء من العطاء الديبلوماسي المتواصل ، فمن الواضح اليوم أن التغيير الجيواستراتيجي الحاصل في موازين القوى العالمية، حوَّل المغرب إلى مركز ثقل ديبلوماسي لا محيد عنه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم بأسره ، بما يتوفر عليه من موقع استراتيجي ، واستقرار سياسي وموثوقية في المعاملات والمواقف ، وقبل ذلك بما يحوزه من تاريخ عريق بملكية يسمح لها إرثها وتقاليدها وشرعياتها بأن تكون صانعة وقائدة للأمن والسلام .
لقد قدمت دولتنا ، عبر مؤسساتها السيادية منذ سنوات ، نموذجا لسياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادىء وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن المصالح العليا للوطن بكل حزم ووضوح ، لكن دون المس بحقوق ومصالح الشعوب الأخرى ، وظهر أن ملك المغرب بعزمه الصادق ، الذي لا يلين ، نجح في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية، حتم عليه مواصلة الاضطلاع بدور قدر للملكيات المغربية أن تضطلع به منذ عقود بل منذ قرون .
والحقيقة الواضحة للعيان أن هذا التوجه الديبلوماسي الناجح أكسبنا احترام الخصوم قبل الأصدقاء ، وفي المقابل لجم وحجَّم أصوات دول معادية لمصالحنا، وعمق من عزلة خصومنا الظاهرين والمستترين ، والأهم أنه دفع حكام الجزائر ولعبتهم الإنفصالية إلى الرهان الخاسر على أطراف ومحاور إقليمية تقودها إيران، لحرف التوجه الدولي والإقليمي المتبلور حاليا الذي يرجح كفة المغرب على كل المستويات، وهذا الرهان سيؤدي ” كابرانات ” الجزائر كلفته آجلا أم عاجلا .
بعد مرور أحد عشر شهرا من الأزمة الديبلوماسية والاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، وما ترتب عنها من تبادل الضربات والمواقف والقرارات المتشنجة ، بسبب فضيحة دخول إبراهيم غالي متنكرا إلى اسبانيا في أبريل 2021 ، نجحت الديبلوماسية المغربية في كسب صيد ديبلوماسي ثمين ، لم يكن يتوقع حدوثه ، في هذا السياق الدولي المتوتر ، أكثر المتفائلين بأدائنا الديبلوماسي المتميز . فأن يصدر موقف دولة من الحكومة الاسبانية يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع ، فهذا إنجاز ديبلوماسي غير مسبوق ، لكن أن يصدر الموقف عن الدولة الإسبانية بثقلها الديبلوماسي وحمولتها التاريخية ودورها كآخر دولة كانت مستعمرة لأقاليمنا الصحراوية ، ورمزيتها السياسية بالنظر إلى أن قضية الصحراء المغربية ظلت دائما موضوعا للاستثمار السياسي والانتخابي لدى جميع الأحزاب السياسية من اليمين إلى أقصى اليسار ، فهذا أكبر من إنجاز إنه اختراق خارق للعادة .
من كان يعتقد أنه في ذروة حاجة اسبانيا للغاز الجزائري لتدفئة اقتصادها ومواطنيها ، وفي ظل حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب معاد للمصالح الوطنية ، يمكن أن يخرج قرار ديبلوماسي بهذه القوة لصالح الدولة المغربية ؟ لا تفسير لهذا الأمر سوى غلبة توافقات وضمانات ملكيتين عريقتين ، ورجحان كفة المصالح الاستراتيجية المغربية – الاسبانية على غيرها من المصالح مع دولة كالجزائر ، وهذا بالضبط ما أكده وزير الخارجية الاسباني خوسيه مانويل ألباريس حينما قال إن استقرار وازدهار بلدينا مرتبطان بأزيد من 16 مليار أورو من المبادلات التجارية ، والمغرب هو ثالث أكبر شريك اقتصادي لاسبانيا .

2- المغرب قادم
لا يكفي أن تكون اليوم ، مجرد دولة لها حدود وحكومة وجيش وادارات وشعب ، بل يجب أولا ، أن تكون لك مقومات هذه الدولة ، تاريخيا وتنوعا ومؤسسات وتداولا ديموقراطيا للسلطة ، وبناء سياسيا ومجتمعيا ودستوريا صلبا يسند ظهرك في المواجهات الكبرى ، ويصد عنك الأطماع والمؤامرات ومخططات الهيمنة ، التي تستعمل فيها وسائل استخباراتية قذرة .
أشر الخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك والشعب ( 20 غشت 2021 ) على اكتمال عملية انبعاث المغرب كقوة ضاربة رئيسية على المستويين الاقليمي والدولي . فالملك الذي اختار هذه المناسبة ذات الرمزية البالغة في الوجدان المغربي لمصارحة شعبه بالتحديات الداخلية والخارجية ، ومن ثمة توجيه رسائل في كل الاتجاهات ، كان يستلهم هذه الذكرى لأجل شحذ الهمم لثورة ملك وشعب أخرى، ثورة يكون الهدف منها هذه المرة تثبيت المغرب كرقم صعب في المعادلات الجيوستراتيجية القادمة .
كان الخطاب الملكي واضحا وصريحا وجريئا ، رسالته الأساسية الموجهة إلى الداخل مفادها أن المغرب مستهدف في استقراره ويتعرض لعملية عدوانية مقصودة ، وأن الوضع يستدعي أولا وقبل كل شيء تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها ، وجعل كل ما عدا ذلك وعلى رأسها التنافس الانتخابي والصراع حول الحكومة والبرلمان والجماعات مجرد وسائل فقط لبناء دولة بمؤسسات قوية ، وليس غاية في حد ذاته .
فالملك يدرك بما يتوفر عليه من معطيات دقيقة ، أن الوضع العربي والاقليمي والقاري المحيط بنا وضع مضطرب بشكل لم يسبق له مثيل . ولئن كانت الاضطرابات في ما مضى محصورة في حدود دولة معينة ، فانها اليوم أصبحت عابرة للحدود ، فما تقع من حروب باردة واصطفافات شرسة بسبب وباء ” كوفيد – 19 ” ، وما يجري على أفغانستان وليبيا وجنوب الصحراء ، وما يمكن أن تتسبب فيه حماقات دولة جارة ، ناهيك عن المحاولات المتتالية لاستهداف المغرب بمبررات حقوق الانسان المفترى عليها أو بسبب مصالح متنافس عليها ، كلها أسباب وغيرها تفرض فرضا علينا مؤسسات وشعبا رص الصفوف ، لإغلاق أي اختراق لزرع الفوضى واللاأمن في البلاد . فوجود الشقوق في الجبهة الداخلية للوطن هو الأخطر ، وهو بداية الهزيمة ، فالشقوق تتسع ، بشكل طبيعي داخل الدول بسبب فشل السياسات العمومية ، فما بالك لو كانت الظروف المحيطة غير طبيعية .
على ضوء ما يتعرض له المغرب من تحولات في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين وحملات أعدائه الظاهرين والمتسترين ، لم تعد الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا او خطابا سياسيا يردد في الانتخابات ، لكسب بعض الاصوات والمقاعد ، ولاستعماله كورقة للابتزاز السياسي ، بل أصبح ضرورة وطنية لاسناد الموقف المغربي الرافض لكل الصفقات التي يتم عقدها لاخضاعه بالقوة لمصالح الاخرين، او التهديد بالمس باستقراره وأمنه . فالجبهة الداخلية كانت وما زالت هي الحصن الحصين لهذا البلد عبر مختلف المراحل ، التي شهدتها المعركة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية وبناء دولة المؤسسات ، حيث كانت قوة البيت الداخلي هي أقوى ورقة يمتلكها المغرب في مواجهة خصومه ، وبدون شك سيستمر هذا المعطى حاضرا إلى اليوم ، مهما تغيرت السياقات الوطنية الدولية والإقليمية الحالية . لذلك فان المهمة الأكبر للأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات والإعلام بشقيه العمومي والخاص ، هي تعزيز الجدار الوطني كل من موقعه ، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل سلاح دفاعي ضد الأخطار الخارجية ….
إن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب ( 20 غشت 2021 ) ، خطاب مؤسس منتزع للموقع المغربي في المضمار الجهوي والدولي .، خطاب يعيد المغرب لما هو منذور له : الريادة ولاشيء غير الريادة . فالمغرب كان في فترات طويلة من تاريخه جزءا من النظام العالمي ، حيث كان ملوكه وامبراطورياته يجسدون لقرون محور الغرب الاسلامي ، وكانوا يعتبرون قيادة روحية لافريقيا . وكل ما يحاك حولنا الآن هو لإضعاف ثقتنا بأنفسنا وحصرنا في الزاوية الضيقة ، لكن المغرب كما نفهم من خطاب جلالة الملك قادم ، بل هو حاضر من خلال قوته الناعمة متعددة الأشكال ، التي لا تقاوم في افريقيا أحب من أحب ذلك وكرهه من كرهه ، لسبب بسيط هو أن التاريخ يعيد نفسه وأن افريقيا هي من تريد ذلك .
غدا ستبزغ شمس الحقيقة ، وستشرق بأنوارها على الفضاء المغاربي، إنها حتمية التاريخ التي لا يمكن الفرار منها .

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:57

وضعية تحملات وموارد الخزينة تفرز حاجيات تمويل بقيمة 15,5 مليار درهم

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:51

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يناقش مستقبل التكنولوجيا الحديثة في المجال ‏القضائي

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:50

مندوبية التخطيط تقف عند ارتفاع الأسعار…

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:44

جماعة سيدي قاسم تبرمج فائض ميزانية 2024 في مشاريع لإعادة الهيكلة والبنية الكهربائية والحماية من الفيضانات

error: