باحثون يناقشون بخنيفرة التراث الثقافي غير المادي ومساهمته في الحفاظ على الذاكرة المحلية

أحمد بيضي الخميس 18 مايو 2023 - 23:37 l عدد الزيارات : 25113
  • أحمد بيضي

مواصلة للبرنامج المسطر في إطار فعاليات “شهر التراث 2023″، على مستوى جهة بني ملال خنيفرة، والذي تسهر على تفعيله “المحافظة الجهوية للتراث” بالجهة، احتضن “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، عشية يوم الثلاثاء 16 ماي 2023، أشغال ندوة علمية حول: “إسهام التراث الثقافي غير المادي في الحفاظ على الذاكرة المحلية”، وذلك بمشاركة باحثين وفاعلين في المجال: ذة. حنان الشهري، ذ. محمد زروال، ذ. التجاني سعداني وذ. لحسن زروال، تقدموا جميعهم بأوراق في الموضوع من زوايا مختلفة، فيما سجل ذات اللقاء حضورا نوعيا ومتفاعلا من الفاعلين والمهتمين بقضايا التراث والشأن الثقافي، ومكونات المجتمع المدني.

وتميز اللقاء الفكري بتسيير الفاعل المدني ذ. علال الحاج لأشغاله، والذي وضع الحضور في دلالة الموضوع، وأسباب نزوله في سياق “ردود الفعل القائمة على غزو العولمة والمجموعات البشرية الصغيرة التي أبانت عن انغراسها في الحياة العالمية”، ومبرزا بالتالي مدى “أهمية البحث في مجال التراث باعتباره مدخلا ضروريا للتنمية، بشتى أصنافها”، سيما “أمام الزحف المتسارع للعصرنة والرقمنة والأفعال المتطرفة”، ذلك قبل كلمة للمسؤول على المركز الثقافي، ذ. المصطفى فروقي، الذي اعتبر التراث “شأناً جماعيا، ومسألة ثقافية إنسانية محافظة على الهوية، وبعداً استراتيجيا في تجذير كل ما يتعلق بروح الانتماء”.

وافتتحت أوراق الندوة بمداخلة ذ. لحسن زروال الذي انطلق فيها مما “يفرضه التراث في سياق موجة العولمة التي زجت بالعالم في رؤية أحادية”، فيما تناول، من زاوية أحداث 16 ماي الإرهابية بالمغرب، مدى “ارتباط التطرف والإرهاب بتأويل مريض للذاكرة عبر اختزالها وتقليصها، ونفي التعدد عنها، مقابل الحاجة إلى فهم ضروري للذاكرة والتاريخ باتجاه تجفيف منابع العنف والإرهاب بعيدا عن الأحادية وقريبا من القيم الإنسانية التي تؤمن بالتعايش والتعدد”، ومن خلالها توقف المتدخل عند “أهمية التراث في التنمية”، ومذكرا بأبحاث اشتغلت على موضوع “اقتصاد التراث” بغاية بناء مشاريع قادرة على التغلب على المعضلات والعوائق.

وبعد استحضاره لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات وحدود الترابط والاختلاف بينها، تناول مفهوم الذاكرة وميلاده في الأجناس الفلسفية والأدبية والنفسية، ثم “مفهوم التاريخ الذي لا حقائق مطلقة فيه”، و”حدود منظوره للزمن وما يقوم عليه من ترميز وتخزين واسترداد”، فيما تناول موضوع التوثيق ما بعد مدارس الحوليات، ومحاولا بالتالي تفكيك العلاقة والتماس بين مفاهيم الذاكرة والتاريخ والتراث، ومدى “استعصاء الفصل بينها مقابل توجهات تعميق الاتصال بينها عوض البحث عن نقط الانفصال”، وكذا تتبع مظاهر التعالق من خلال زوايا المعنى الاصطلاحي، ثم الزمن من منظور التاريخ والذاكرة والتراث، ومسافة المعرفة التاريخية والذاكرة والتراثية من الحقيقة.

ومن جهتها، انطلقت ذة. حنان شهري من دور الأدب الأمازيغي بصفة عامة، الشعر الأمازيغي بصفة خاصة،  في حفظ الذاكرة الجماعية المحلية، على “امتداد أكثر من 30 قرنا من اعتماده على التناقل الشفوي من عصر لعصر ومن  جيل لجيل”، وانطلاقا من سؤال علاقة الشعر بالذاكرة؟، توقفت المتدخلة عند بعض المفاهيم الأساسية حول التراث والذاكرة والعلاقة بين الذاكرة و التاريخ من باب “تفادي الخلط واللبس في المعنى”، لتتقدم بقراءة التراث من زاوية “تجارب الإنسان في علاقته بالطبيعة، وما راكمه من موروث مادي وغير مادي، ومن عادات و تقاليد وتعبيرات مثل الرقصات والحكايات والأهازيج والطقوس والمهارات والشهادات الحية”.

وارتباطا بالموضوع، حاولت ذة. حنان شهري تفكيك المعاني المتعددة للذاكرة و”ربطها بمجالي التاريخ والأنثروبولوجيا على ضوء مدى قدرة الفرد أو الجماعة على تخزين المعلومات والأفعال والمهارات الماضية بهدف استحضارها وتذكرها”، و”ما يقابلها في علم النفس ب “النسيان” الذي إذا أصاب الفرد فإنه يضطرب نفسيا وإذا أصاب الجماعة فإنها تفقد هويتها، وبالتالي رأسمالها الرمزي”، فيما قرأت التاريخ ك “علم له منهجه الخاص ومفاهيمه المهيكلة ومجالاته، ويمتلك آليات البحث في الوثائق إلى مرحلة التفسير ومرحلة الكتابة التاريخية”، داعية  المؤرخ ألا “يعدم الموضوعية للضوابط العلمية والمنهجية، أو يقع في أيديولوجيا ما”.

وعن علاقة الشعر بالذاكرة، لم يفت ذات المتدخلة “ربط الشعر بما يحمله في الذاكرة، سواء كانت تاريخا للمكان أو الزمان أو الأحداث”، إذ أن “النص الشعري يولد من بطن الذاكرة الموشومة بالأحداث التي رافقت حياة الشاعر والتي تُنتج في قوالب شعرية تتجلى من خلال أدوار الشعر في حفظ الذاكرة الجماعية، سواء في ما يتعلق بحماية المقدسات الدينية، تدوين الأحداث المحلية، حفظ قوانين الأمازيغ (الأعراف)، رصد الطقوس والعادات الاجتماعية”، فضلا عن دور هذا الصنف الإبداعي في الاستمرارية اللغوية واللسانية والثقافية، دون أن يفوت ذة. شهري استحضار مقاطع من عدد من الأشعار والقصائد الأمازيغية التي قيلت في مراحل وفترات وظروف مختلفة.

أما ذ. التيجاني سعداني فركز بالتحليل والتفصيل على “علاقة الذاكرة بالموروث الثقافي، والمتجلية أساسا في الممارسات الاجتماعية والتعبيرات الثقافية، وكذا المهارات المرتبطة بالحرف التقليدية والفنون والطقوس والعادات”، فيما تقدم بقراءة نقدية في “مضامين الاتفاقية الدولية للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، وبالخصوص الإجراءات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية”، معتبرا إياها “وثيقة تكرس هيمنة الدول فيما يتعلق بتدبير الموروث الثقافي وتقزيم دور المجموعات البشرية التي تتعرض للحيف على مستويات متعددة، من حيث إبرازها لما يسمى بالدولة الأمة وإجهازها على حقوق القوميات الإثنية باسم القومية الوطنية والوحدة”.

ورأى المتدخل، ذ. التيجاني، أن ذات الاتفاقية “اختزلت عناصر التراث في قوالب فرجوية فولكلورية أكثر مما يحفز على استدامته”، و”لم تتجاوز الحفاظ الرمزي عليه”، كما أن “الإجراءات الواردة فيها ستأتي بنتائج عكسية” من حيث “أن الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على التراث الثقافي غير المادي تتمثل في الاعتراف بالحقوق الثقافية للقوميات الأثنية واسترجاع سيادتها على الشأن الثقافي لتتمكن من إعادة إنتاجه وتطويره بعيدا عن التأثير عليه أو أدلجته أو التعامل معه بخلفيات معينة”، مستحضرا نموذج إملشيل الذي “تم تحويله من موسم خطوبة خاص بالقبيلة، وفق الأعراف والتقاليد والخصوصيات، إلى منتوج للاستهلاك السياحي والإعلامي وربما السياسي”.

ومن جهته، شارك الباحث في التاريخ والتراث، ذ. محمد زروال، ، بمداخلة تحت عنوان: “الأماكنية والحفاظ على الذاكرة المحلية، بلاد إشقيرن نموذجا”، انطلق فيها من “أهمية الطوبونيميا كحقل معرفي جديد، في دراسات العلوم الإنسانية، والتي انطلقت أولا من الغرب، قبل أن تكتسح بلدان العالم الأخرى”، مفصلا ضمن مداخلته ما يخص “دلالة الأماكنية، وعلاقتها بعلم الأنوماستيك، وتفرعات الطوبونيميا التي تعني دراسة أسماء الأماكن، وميزها عن الأنتربونيميا التي تنشغل بدراسة أسماء الأشخاص والعائلات”،  فيما قارب مجموعة من فروع الطوبونيميا كالهاجيونيميا والأورونيميا” مع تعريف الحضور بمفاهيمها.

ذلك قبل انتقال ذ. محمد زروال إلى جرد بعض الجوانب التي “تبرز أهمية الطوبونيميا والحفاظ عليها”، معرجا بذلك على “أهميتها اللسنية والتاريخية والجغرافية والنفسية”، ومستعرضا نماذج من الطوبونيمات والتي “شملت ما هو إثني ك”أيت أمالو” و”إشقيرن”، وبعض الرموز الدينية كإمهيواش والدلائيين”، دون أن تفوته الإشارة لأسماء بعض الأماكن التي جرى طمسها بتغييرها، وإلى بحيرات اختفت وظلت عالقة في الذاكرة، فيما أشار لمنطقة لهري التي ما يزال اسمها يرتبط بمعركتها التاريخية، ثم أشار إلى أسماء ذات الارتباط بالحقل الديني المسيحي، مثل شخصية “مرابو”، خاصة في بلدة القباب، وتناول ضمن هذه النماذج أيضا بعض الهيدرونيمات مثل واد سرو وأكلمام أبخان وغيرها.

وتميزت أجواء اللقاء بتفاعل الحضور، ومساهمته بالكثير من التساؤلات والتصورات من قبيل مدى مساهمة الدراسات التاريخية في قراءة كل التاريخ؟، سيما أن التاريخ لا يعني على العموم سوى ما هو محفوظ ومكتوب؟، بينما جاء في تدخلات أخرى ما يهم ما سمي بمخاطر العولمة على التراث؟، وكيف يمكن التعامل مع الوثيقة؟، وما قدرة الباحث على استنطاق الوثيقة ومعرفة الحقيقة فيها؟، كما لم يفت أحد الباحثين في التراث الأمازيغي التنبيه لعدم الاعتماد على شفاهية الشاعر كوثيقة رسمية من حيث كون الشعراء يمزجون الواقع بالمتخيل؟، ذلك إلى جانب تساؤلات أخرى أغنت موضوع اللقاء.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 07:29

توقعات طقس يومه الأربعاء 23 أبريل

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 23:37

إدريس لشكر يعبّئ الوعي الوطني: معركة الحكم الذاتي بدأت والمطلوب جبهة داخلية واعية وصلبة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 21:58

جلالة الملك يعزي أسرة المرحوم الفنان محسن جمال…

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 19:03

توقيف مطلوب دوليا بمطار محمد الخامس…

error: