رأي: في محافل التميز، أين الحياة المدرسية؟

أحمد بيضي الأحد 16 يوليو 2023 - 10:38 l عدد الزيارات : 30583
  • اسماعيل هواري (°)
تغمرنا السعادة والتفاؤل عندما نسمع أحد المسؤولين في قطاع التربية يتحدث عن الحياة المدرسية في المدرسة العمومية، كما نشعر بالغبطة كلما قرأنا المنابر الإعلامية والصفحات التي تنشر الإنجازات التي يحققها بعض المتعلمين على المستوى المحلي، أو الوطني، أو الدولي؛ لكن سرعان ما يتبدد هذا الإحساس ويتلاشى نوره عند مشاهدة أو قراءة أحداث توثق محافل التميز التي دأبت على إقصاء الحياة المدرسية من فقراتها.
سألتني إحدى تلميذاتي قائلة: “أستاذ، واش حنا إلا ماجبناش 19 ما عمرهوم مايحتافلو بينا؟ يعني هادشي إلى كنا كانديرو العام كامل ماشي مهم؟”. شل لساني وانقبضت عضلة عيني. وأُصِبتُ بالذهول. لم أجد ما أجيب به هذه التلميذة الذكية التي رغم أنها ليست من الأوائل، غير أنها انخرطت في أنشطة الحياة المدرسية وحققت إنجازا في مسابقة وطنية.
هذا نموذج واحد من الكثير من الأطفال الذين نظل نطبّل لهم ونمجد لهم في أنشطة الحياة المدرسية (إيمانا منا بدورها الفعال والفاعل في بناء شخصيتهم والدفع بهم نحو مستقبل متوازن)، هذه التلميذة من بين التلاميذ الذين مارسوا المسرح، أو السينما، أو الفوتوغرافيا، أو الرسم، أو الموسيقى، أو المجلة الورقية والرقمية، أو الخطابة، أو المونودراما، أو الروبوتات التربوية، أو القصة، أو غيرها بمعية مؤطريهم التربويين والإداريين؛ بذلوا المجهود الفكري الكثير والجهد العضلي الوفير والوقت الثمين، وأنفقوا ما أنفقوا حبا في العطاء والتميز فيما يحبون وتفعيلا للمدرسة في جوانبها الحياتية.
أبدعوا وأمتعوا وحصلوا على مراتب متميزة وطنيا ودوليا. لكن حسرتهم وخيبة أملهم كانت كبيرة بعد رؤية زملاء لهم لم يشاركوا في نشاط واحد حصلوا على معدلات عالية فسارعت الوزارة، والجهات، والمديريات لتكريمهم. هم فعلا يستحقون التكريم والتشجيع، لكن بالموازاة لا ينبغي إقصاء المتميزين محليا، ووطنيا، ودوليا في أنشطة الحياة المدرسية.
فهذا المعطى يجعلنا، كأطر تربوية غيورين على المدرسة العمومية، وغيورين على واقع تعليمنا المغربي، وغيورين على حال الممارسة الإبداعية من داخل المدرسة، نتساءل وبكل مسؤولية عن مكانة هذا المسمى “حياة مدرسية” في هذا الواقع الذي لا يحتفي إلا بالأرقام. فإذا كانت المعدلات العالية غايتهم الأسمى، فلا داعي لإضاعة الوقت في صياغة مذكرات وأطر تنظيمية، ولا طائل من هدر الزمن في سبيل مسابقات فنية أو ثقافية تنهك المتعلم والأستاذ، ولنتّجِه نحو برمجةٍ تستهدف المعدلات العالية وليس الحياة المدرسية سنكون أمام ممارسة ميكانيكية جافة لا تتعدى مستوى القاعدة في هرم ماسلو.
قال أحد الأساتذة القدامى لآخر شغوف بأنشطة الحياة المدرسية إثر حصوله على جائزة متقدمة في إحدى المسابقات الوطنية: “إن ما تقوم به مضيعة للوقت، فلن يشهد لك أحد بما تفعل”. مقولة صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه: صحيحة ويا للأسف، لكون الجهات المسؤولة عن التميز والمحافل لا تعترف بالحيات المدرسية إلا لتنشيط الفقرات لا أقل ولا أكثر، وخاطئة لكون المتعلمين لا ينسون هذه الأنشطة، ويستفيدون منها في حياتهم اليومية وهذا مكسب للمدرسة وللمتعلم، كما أن الأستاذ المؤطر يعتبر في أغلب الأحيان تحقيق الأهداف المسطرة نجاحا كبيرا واعترافا هائلا.
لذلك، حتى لا نستمر في سياسة التهميش الممنهج والتناقض السكيزوفريني، ندعو وبإلحاح الجهات المعنية لإعادة النظر في سياسة الاحتفاء بالتميز، وجعلها مبادرة جادة تقوم على أساس التمييز الإيجابي غير الإقصائي، وذلك بإدراج المتميزين في أنشطة الحياة المدرسية والمتميزين من فئة أصحاب الهمم جنبا إلى جنب مع المتميزين في المعدلات الإشهادية.

ـــــــــــــــــ

(°) أستاذ وكاتب وناقد سينمائي  

 

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 21 أبريل 2025 - 14:17

اعنان يسائل وزير التربية الوطنية حول ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وتنامي الاعتداءات على الأطر التربوية

الأحد 20 أبريل 2025 - 11:35

 اختلالات الأحياء الجامعية المغربية على طاولة البرلمان

الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 15:28

أكاديميون يناقشون الدولة وتدبير التراب بالمغرب والتجارب المقارنة

الإثنين 14 أبريل 2025 - 19:23

إضراب وطني عام بقطاع التعليم تنديدا بالعنف المدرسي وحالات الاعتداءات المتواصلة

error: