لم يحصل أن أثار فيلم سينمائي هذا الكم من ردود الفعل، كتلك التي أثارها فيلم «الأخيرة» (2022) لعديلة بن ديمراد وداميان أونوري. فيلم يعود إلى عام 1516، وهي السنة التي بسط فيها العثمانيون سيطرتهم على الجزائر العاصمة. ويحكي قصة الملكة الأخيرة (زفيرة) زوجة سليم تومي، آخر حكام الجزائر. من خلال قصة حب، تمتزج مع قصص خيانة وانتقام وسياسة ومقاومة، تجري أحداث الفيلم، في تصوير الحياة كما كانت في المدينة إبان مطلع القرن السادس عشر، وظروف وصول القراصنة العثمانيين إليها، الذين جاؤوا تلبية لنداء بالمساعدة وصد غزو الإسبان، قبل أن يصيروا أنفسهم حكاماً للبلد. فيلم اتكل على أرشيف في صياغة السيناريو وكذلك الحوارات والأزياء التي ارتدتها الشخصيات. من الممكن أن نختلف بشأن الواقعية التاريخية للعمل، أو لا نتفق، مع أن المخرجين يشيران في مطلع الفيلم إلى أن العمل تخيلي، لكن للغرابة أن هذا الفيلم، الذي جاب صالات السينما في العالم، في ظرف وجيز، تعرض إلى محاكمات في بلده، قبل أن يعرض فيها. فقبل أن يشرع العرض الأول لفيلم «الأخيرة» في صالات الجزائر، بدأت حملة إساءة وتسفيه للعمل. كل شيء بدأ من تعليقات على فيسبوك. أشخاص لم يُشاهدوا الفيلم، لكنهم يُدينون المخرجة، نظير مواقفها الليبرالية، في وقت سابق، وكذلك إزاء نظرتها المحايدة في التعامل مع التاريخ، وتمنعها عن الاصطفاف إلى جانب طرف ضد الآخر. هكذا إذن جرت محاكمة المخرجة ومن خلالها محاكمة فيلم قبل أن يشاهده منتقدوها. وتلك المحاكم أقيمت في السوشيال ميديا. لقد دخلت الجزائر زمناً جديداً، زمن «ثقافة الإلغاء» من خلال الإساءة إلى مبدعين في وسائط التواصل الاجتماعي، ليس من خلال نقد واحد من أعمالهم، بل من خلال استعادة مواقف ذلك المبدع، وكلامه في وقت سابق، قصد الحط من عمله الجديد. إنها ثقافة إلغاء للفرد، قبل أن تكون ثقافة إلغاء العمل الفني. يريد منها أصحابها الإساءة إلى أناس بعينهم، ونفيهم من الفضاء العام، فقط لأنهم لا يتفقون معهم في الموقف السياسي أو الفكري، لأن من يُشاهد فيلم «الأخيرة» سوف يدرك أن ما جاء فيه يتناقض مع حملة النقد التي تعرض إليها.
تعليقات
0