قالت المندوبية السامية للتخطيط الاقتصاد الوطني لم يتمكن بعد من تحقيق مستويات النمو المنشودة وذلك رغم استمرار مسار تعافيه، الشيء الذي يعكس تباطؤ المرحلة الانتقالية التي يمر منها من أجل استعادة المقومات الاقتصادية بشكل كامل. كما لم يتمكن الانتعاش الاقتصادي غير الكافي بعد جائحة كوفيد-19 من تغطية الخسائر الناتجة عن التراجع الحاد للنمو الاقتصادي خلال سنة 2020. ويتجلى ذلك أساسا على مستوى سوق الشغل الذي يواصل تأثره بالصعوبات التي عرفها جراء فقدان حوالي 432 ألف منصب شغل سنة 2020 نتيجة تأثير صدمة كوفيد.
وأوضحت المندوبية أمس في تقريرها حول الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 20224، أن النمو الاقتصادي الذي تأثر بشكل كبير بتعاقب سنوات الجفاف وتداعيات استمرار التوترات الجيوسياسية، يبقى دون المستوى الذي يمكنه من دعم فرص الشغل بشكل يسمح بالعودة إلى معدلات البطالة المسجلة قبل الأزمة.
ونبه التقرير إلى أن الاقتصاد الوطني سجل خسارة صافية سنوية متوسطة تزيد عن 75 ألف منصب شغل خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وحذرت المندوبية من أن هذا المنحى سيؤثر بشكل كبير على تطور الدخل والادخار، خاصة في سياق يتسم بصعوبة تراجع التضخم، الشيء الذي يستدعي مضاعفة المجهودات لتحفيز الاقتصاد أكثر من أي وقت مضى.
ودعت المندوبية إلى ضرورة خلق هوامش مالية إضافية للمساهمة بشكل أكبر في عملية تحفيز النشاط الاقتصادي وذلك في سياق الإكراهات الخارجية والداخلية للاقتصاد الوطني، خاصة تلك المتعلقة بمدى فاعلية السياسة المالية، حيث أفرزت التوقعات المعتدلة للنمو الاقتصادي، الأهمية القصوى لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي الذي يخلق فرص الشغل. وقد أصبحت هذه الضرورة أكثر إلحاحا خاصة مع تراجع محتوى النمو الاقتصادي من مناصب الشغل وكذا تراجع النمو المحتمل للاقتصاد الوطني الذي يأخذ اتجاها تنازليا.
وأكد التقرير أن سوق الشغل خلال سنة 2023 شهد فقدان 300 ألف منصب شغل. وبناء على تراجع معدل النشاط، سجل معدل البطالة على المستوى الوطني ارتفاعا ليصل إلى %13 سنة 2023 بعد %12,2 المسجلة سنة 2022.
وعلى مستوى تدبير المالية العمومية أفاد التقرير بأن تمويل عجز الميزانية وتلبية حاجياتها المتزايدة، دفع الخزينة خلال سنة 2023 إلى اللجوء أساسا نحو الاقتراض الخارجي بعد فترة تميزت بالاعتماد بشكل كبير على السوق الداخلي. وهكذا، قام المغرب في بداية سنة 2023 باللجوء إلى السوق الدولية، بعد آخر إصدار منذ سنتين، للحصول على اقتراض خارجي بقيمة 2,5مليار دولار، والذي سيتمكن من خلاله من تقليص الضغوطات على التمويل الداخلي والحفاظ على استقرار الموجودات الخارجية في مستويات ملائمة. وهكذا، سيسجل الدين الخارجي للخزينة ارتفاعا ليصل إلى %18,2 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %17,2 سنة 2022. وبالنسبة للتمويل الخارجي، وبناء على إصدرات الخزينة على مستوى سوق السندات، سيرتفع الدين الداخلي ليصل إلى %53,8 من الناتج الداخلي الإجمالي. وعموما، فقد ارتفع الدين الإجمالي للخزينة سنة 2023 إلى حوالي %72 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %71,6 سنة 2022، ليتجاوز بذلك عتبة 1000 مليار درهم، حيث يهيمن الدين الداخلي على بنية الدين الإجمالي للخزينة بحوالي %74,7 في حين سترتفع حصة الدين الخارجي للخزينة إلى حوالي %25,3.
عماد عادل