الزحف نحو سبتة يعيد طرح سؤال المناعة الداخلية للبلاد
أحمد بيضي
الخميس 19 سبتمبر 2024 - 19:18 l عدد الزيارات : 31228
محمد باجي (°)
معلوم أن ما حدث يوم الخامس عشر من شتنبر 2024، حيث زحف آلاف المراهقين والشباب ذكورا وإناثا، عزبا ومتزوجين، نحو مدينة سبتة المغربية المحتلة، لم يكن في حقيقة الأمر إلا امتدادا لآلاف رحلات الهجرة السرية التي تنطلق من المغرب نحو الضفة الأخرى هروبا من الواقع الداخلي المزري لملايين الأسر، ولسنا هنا بصدد التشجيع على مثل هذه العمليات غير الشرعية، ولكن واقع الحال يدفعنا لأن نسائل أنفسنا مجددا عن الدوافع الحقيقية المساهمة في استمرارها.
ومن وجهة نظرنا المتواضعة، نرى أن بسطاء هذا الوطن أصيبوا بخيبة أمل متجددة وهم يمنون أنفسهم بتجاوز واقع البطالة والفقر والهشاشة، وهم يرون أن الدولة المغربية التفت على دستور 2011، وأعادت إحكام قبضتها على المشهد، والسنوات الماضية خير دليل، بدءا من حكومتي “الإسلاميين”، وصولا إلى حكومة “الأعيان”، إذ يكفي أن نعيد شريط العمليات التشريعية بالمملكة المغربية من ذلك التاريخ إلى حينه، لنتأكد أن ما تم تمريره لم يخدم، في الحقيقة، إلا أولئك الذين ازدادوا وفي أفواههم ملاعق الذهب، وكأن بهذا الحال البئيس يذكرنا بما سرده الروائي المصري نجيب محفوظ في روايته “اللص والكلاب”، وهو يميط اللثام عن خيبة الأمل التي أصابت بسطاء مصر وهم يمنون أنفسهم بغد أفضل بعد ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.
وقد ساهم تفشي وانتشار فقدان المواطنين ثقتهم في مؤسسات الدولة، ما دامت هذه المؤسسات لم تقدم جديدا يذكر، في تنامي منسوب الحقد الاجتماعي، وكل مظاهر السخط حتى لدى الأطفال الصغار، الذين هم الآن، للأسف، عدد ضمن حالات الزحف المسجلة بحثا عن الدفء المفقود داخليا في الضفة الأخرى.
وقد يجادلني مجادل في هذا الباب ويبرر هذه المسألة بكون المدرسة لم تقدم لهؤلاء الأطفال تلك الوصفة الفريدة من الوطنية، حتى يكونوا محبين له مدافعين عنه غير نافرين منه، وهنا أعود لأذكره أن المدرسة كمؤسسة من المؤسسات التي تخضع في تدبيرها للتوجيهات العامة للبلاد غير كافية لأن تؤدي هذا الدور في تحبيب الوطن لهؤلاء الأطفال، لأن ذلك الطفل البسيط الذي يحرم من المنحة الدراسية، ويكون محروما من كثير من الأمور الباعثة على الكرامة، هذا الطفل سيتنامى لديه إحساس داخلي لن يجد مجالا لتصريفه إلا بالبحث عن حل ولو على حساب حريته وحياته، وهذا أخطر بكثير.
وهنا أيضا قد يجادل مجادلون ويقولون أنهم في عمر هؤلاء الأطفال كانوا محرومين وكانوا صامدين ومتحملين لوقع الفقر، وها هم قد حققوا مبتغاهم في الوطن، ولهم أقول أن نجاح الفرد في المغرب في تحقيق ذاته إن لم نقل اكتفائه الذاتي، ما هو في الحقيقة إلا معيار غير معتمد في تقييم سياسات الدولة ونجاحها في تحقيق الاستقرار الداخلي لعموم أفراد الشعب.
وسأستعير في هذا الباب مضمون فكرة مهمة سبق للباحث في العلوم السياسية عبد الرحيم العلام أن أشار إليها، هي فكرة المداخل الكبرى للإصلاح التي لن تستقيم دون وجود إرادة سياسية واضحة لدى الحكام لانتشال البلد من أزماته، وخير دليل عن غياب هذه الإرادة هو طبيعة الأحزاب التي تصل إلى تدبير الشأن العام، وطبيعة الحكومات الهجينة التي تنبثق عن تكتلات هذه الأحزاب، وما ترتب عنهما من آثار بليغة على الاقتصاد الوطني حيث الغلاء الفاحش، وعلى التماسك الاجتماعي للأسر المغربية التي تلاشت وأصبحت عرضة لمزيد من التشتيت.
خلاصة القول: الواقع مرير جدا، وردود الأفعال الصادرة بناء على مرارته غير محسوبة، ومعالجة آثاره تقتضي القطع مع سياسات إغناء الغني وإفقار الفقير، ومحاسبة ناهبي المال العام، وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد، مع حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة من الكفاءات الوطنية، وهي أولى خطوات تحقيق المناعة الداخلية للبلاد، وغير ذلك إعادة لإنتاج الأزمة.