
محمد رامي
هكذا جاء وزير الفلاحة الجديد حاملًا شعار “المواصلة ثم المواصلة” في أول تصريح إعلامي له بعد توليه المنصب، بمناسبة إعطاءه انطلاقا من الحاجب ومكناس يوم أمس السبت، انطلاقة الموسم الفلاحي، وكأنه قادم ليوحي لنا بأن لا جديد يلوح في الأفق، سوى “المواصلة” على نفس الدرب، وربما حتى على نفس المنوال، دون أي تغيير يُذكر.
الخطاب الذي خرج به وزير الفلاحة الجديد أحمد البواري بمناسبة إعطائه الانطلاقة الرسمية للموسم الفلاحي الجديد، بعد 48 ساعة فقط من تعيينه يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية قراراته وتفاعله مع الملفات.
فالوزير، الذي بالكاد تسلم مهامه، أطلق وعوداً تبدو أشبه باستمرارية لسياسات قديمة عوض تقديم رؤية جديدة، وهو ما قد يشير إلى أن دار لقمان ستبقى على حالها، وأن الفعل الحقيقي قد يبقى بيد “السوبر وزير” أخنوش، الذي بات يؤثر على جميع تفاصيل القطاع من بعيد.
لم يمضِ الوزير الجديد وقتاً كافياً للاطلاع والتعمق في الملفات المعقدة التي تواجه القطاع، ومع ذلك أتى بتصريحات وخطط جاهزة، تحت شعار ” المواصلة ثم المواصلة فالمواصلة” مما قد يدل على أن التوجيهات تأتي من أعلى، وأن هامش تحرك الوزير ضيق، وأن دوره قد يقتصر على مواصلة تنفيذ سياسات محددة سلفاً.
هكذا إذن، يعلن السيد الوزير، وبكامل الحماس، عن “توفير عوامل الإنتاج” و”تنمية سلاسل الإنتاج”، و”إدارة مياه الري”، و”التأمين الفلاحي”، و”التمويل” و”مواكبة الفلاحين”. نعم، كل هذه العناوين الطنانة التي تكررت على مسامعنا من قبل، تزداد ضخامةً لكن بفعالية ضعيفة أو معدومة.
ولكأنّ الفلاح الذي ينتظر بصبر كل موسم جديد سيغمره طوفان من الأسمدة المدعمة، فحسب تصريحات الوزير، السوق سيغرق بكمية 650 ألف طن من الأسمدة الفوسفاتية و200 ألف طن من الأسمدة الآزوتية، بذات الأثمنة “المحفزة”، وكأن دعم الأسعار وحده سيجعل من الأرض جنة مثمرة.
أما في مجال التأمين الفلاحي، يبدو أن الطموح الأكبر هو تغطية مليون هكتار. نعم، مليون هكتار، رقم كبير على الورق، لكنه مجرد محاولة لشراء راحة البال أمام تغيرات مناخية قاسية أصبحت قادرة على مسح أحلام المزارعين في لحظة.
أما فيما يخص سلسلة الحليب، فقد تقرر تمديد الحظر على ذبح بعض إناث سلالات الأبقار الحلوب، وكأن الفلاحين يملكون ترف الحفاظ على تلك الإناث دون رعاية كافية، أو حوافز تشجيعية تقيهم من ضغوط تكاليف الأعلاف المرتفعة، بل ويشجعهم الوزير على استيراد العجلات الأجنبية بينما يرزحون تحت وطأة تكاليف باهظة!
وفي ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، نرى تصريح الوزير حول رسوم استيراد الأبقار الموجهة للتسمين. لكنه ربما نسي أن هذه الإجراءات لن تُسعف المستهلك العادي بشيء، لأن الأسعار ستظل مرتفعة بفضل ارتفاع تكاليف الإنتاج والضرائب التي لم تُذكر في سياق المواصلة.
وبالنسبة للماء، وما أدراك ما الماء! فقد بشّرنا الوزير ببرنامج التوريد عبر تجهيز نقط المياه، وتهيئة الصهاريج. ولكن هل تفي هذه الحلول بمعالجة أزمة المياه المستدامة؟ هل “المواصلة” تكفي لمجابهة جفاف أصبح روتينًا يعاني منه الفلاحون عامًا بعد عام؟
ختامًا، يبدو أن “المواصلة” هي كلمة السر. ولكن مواصلة ماذا بالضبط؟ مواصلة المعاناة؟ أم مواصلة التمنيات؟
تعليقات
0